علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

الفرص الضائعة

أنا ومن هم في جيلي من العرب نُعتبر أبناء القضية الفلسطينية، فقد رضعنا القضية مع حليب أمهاتنا، وكان همُّ القضية يسكننا ويطغى على إنتاج أبناء جيلي؛ سواء كان هذا الإنتاج شعراً أم نثراً. وكنا كجيل دائماً في حالة إحباط، بدءاً من إحباط مؤتمر الخرطوم بلاءاته الثلاث الشهيرة: لا صلح، ولا سلام، ولا مفاوضات مع إسرائيل، مروراً بمؤتمر بغداد الشهير، ومقاطعة مصر بعد السلام مع إسرائيل، وهنا المفارقة!
كنت وجيلي نعيش في إحباط مستمر من رفض الساسة لفرصة سلام سانحة، لنجدهم بعد ذلك يطالبون بفرصة سلام أقل. نحن العرب تعودنا على إهدار الفرص للوصول لتسوية تضمن حق الشعب الفلسطيني للعيش بسلام، وللأسف كان هناك من يتاجر بالقضية وكان هناك من يسترزق منها.
دول الخليج كانت ولا تزال تقف خلف الفلسطينيين في مطالبهم، وتساندهم مادياً، وفي المحافل الدولية، وهذا الدعم موثق من خلال محاضر مؤتمرات القمة العربية، ومن خلال الجامعة العربية.
وكانت حكومات دول الخليج تسعى لدعم الفلسطينيين بشتى الطرق، وأذكر أنه في عام 1986 أوفدت إلى الأردن للتعاقد مع موظفين للحكومة، وكان جل المتقدمين والمتقدمات من الفلسطينيين، وكانت التعليمات لدينا واضحة بتسهيل إجراءات التوظيف، ومراعاة ظروف إخوتنا الفلسطينيين، فقد كانت إسرائيل تقفل معبر الحسين مما يتعذر معه وصول الفلسطينيين إلى عمان لإنهاء إجراءاتهم، وكنا ننتظر لحين فتح المعبر.
قد يرى البعض أن قصتي هامشية مقارنة بما تقدمه دول الخليج من دعم مادي لقضية العرب والمسلمين المركزية، ولكنها تفصح عن رغبة حقيقية لدى السعودية ودول الخليج لرفع المستوى الاقتصادي والمعيشي للفرد الفلسطيني.
كعرب ضيعنا كثيراً من الفرص؛ سواء في الحرب أو في السلام، فهل استفدنا من الدرس؟ أم أننا في الطريق لإهدار مزيد من الفرص التي تتناقص في حجم مكاسبها من فرصة لأخرى.
للأسف أن الفلسطينيين لم يستمعوا لصوت دول الاعتدال العربي، وكانت الزعامات العربية تتنازعهم، سواء بالإغراء المادي أو الخوف من التصفية. هذه التجاذبات للقضية الفلسطينية قسمت المعنيين بها إلى مُتاجر ومستفيد، مما يجعل الحل خسارة للطرفين، فنجد رفض الحلول هو المسيطر على كل طرح، بهدف عدم إقفال المتجر الذي يدر ربحاً على حساب شعب يعاني وقيادات مرفهة. ويجعل الحلول تجابه من البعض بالرفض أو بالعرقلة حتى تموت، بهدف إبقاء الوضع على ما هو عليه، حتى لا تتعطل المصالح، بغض النظر عن معاناة الناس أو مآسيهم. ودمتم.