مارك شامبيون
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

شدة لهجة بوتين لا تنفي رغبته في اتفاق

كانت الصورة التي رسمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبلاده خلال المؤتمر الصحافي السنوي الذي عقد أخيرا، وردية إلى أقصى درجة، حيث أشار إلى تراجع معدل البطالة وزيادة الإنتاج الصناعي وفائض الميزان التجاري وزيادة القدرة الإنجابية. أيوجد ما هو أفضل من ذلك؟ أما بالنسبة إلى انخفاض قيمة عملة الروبل وسعر النفط، فهذه الأمور سوف تعدل مسارها نحو الاتجاه الصحيح تلقائيا في غضون عامين على أقصى تقدير. كان هذا هو بوتين القديم غير النادم العدواني، على الأقل بالنسبة لمن هم خارج الفقاعة التي يصنعها الإعلام في روسيا، يقترب من أوهام جنون الاضطهاد بحديثه عن الآخر المشؤوم، وهو الولايات المتحدة، الذي يرغب في تحويل الدب الروسي إلى دمية دب.
مع ذلك كانت هناك رسالتان يمكن قراءتهما من بين سطور هذا الخطاب المتبجح؛ الرسالة الأولى هي أن بوتين لم يكن واثقا بشأن الاقتصاد كما يحاول أن يصور، أما الرسالة الثانية فهي أنه ربما يكون عازما على الحديث بشكل أكثر جدية عن إنهاء الصراع في أوكرانيا. وكان الإطار الزمني الذي حدده بوتين بعامين فيما يتعلق بتعافي الاقتصاد مهما لأنه رقم تقريبي يستخدمه الكثير من المحللين لمعرفة إلى متى يمكن أن تصمد روسيا في ظل العقوبات وانخفاض سعر النفط قبل نفاد احتياطي النقد الأجنبي. ويعرف بوتين أن هذا محض تكهنات. وربما يرتفع سعر النفط خلال الشهر المقبل أو في غضون 5 سنوات أو يزيد.
وحسب قول بوتين، روسيا حاليا في وضع يسمح لها بتحقيق نجاح لأن الحياة نفسها سوف تدفع باتجاه هذا التغيير؛ حيث سوف تجعل العقوبات، التي قال إنها تمثل من 25 إلى 30 في المائة من الصعوبات التي تواجهها روسيا، المستثمرين المحليين يقومون بالأمر الصائب وهو الاستثمار في مجالات أخرى غير الطاقة والمعادن. وهذا أمر غير مرجح.
كان حدس بوتين، منذ وقوع الأزمة، في اتجاه ضخ أي أموال متوفرة نحو الموارد الضخمة التي تملكها الدولة ويديرها حلفاؤها المقربون، لا الاستثمار في المشروعات الناشئة. ومن أجل تحقيق تنوع في الاقتصاد، سيكون من الضروري تفكيك النظام السياسي والاقتصادي الذي بناه ليضمن سيطرة الدولة القصوى. كذلك وعد بوتين بالإبقاء على ارتفاع المعاشات ودعم قروض الرهن العقاري، وزاد المصرف المركزي سعر الفائدة الأساسي إلى 17 في المائة، ومنع بوجه عام من تسلل الشعور بالمعاناة الناجمة عن الركود إلى نفس المواطن الروسي العادي. ستكون تكلفة كل ذلك باهظة ومن المرجح أن تقلل من المدة الزمنية التي حددها بعامين.
وقال بوتين في جزء آخر من خطابه، الذي كان يستهل فيه تعليقاته بعبارة «سأخبركم بأمر مهم» أو «أريد من الجميع أن ينصت إلى هذا»، إن الثوار كانوا جزءا من المشكلة. وأشار إلى رفضهم، في آخر اتفاق سلام في مينسك، التوقيع على بروتوكولات مهمة تتعلق بحدود وقف إطلاق النار. كذلك أوضح أنه يعتقد أن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو يريد حقا التوصل إلى اتفاق. ويقدم الرئيس الروسي نفسه بوصفه رجل سلام، أو وسيطا كما قال تحديدا، وهو أمر لا يعد غير مسبوق. السؤال بالنسبة لأوكرانيا هو هل الولايات المتحدة وأوروبا جادة في الأمر. الأمر يستحق التفكير والبحث. لقد قرر الانفصاليون المؤيدون لروسيا الالتزام بالهدنة بشكل كامل للمرة الأولى منذ بداية الصراع؛ ولم يكن هذا ليحدث لولا ضغط موسكو. وينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشجيع أوكرانيا على استئناف مباحثات السلام علما بأنها قد تكون أفضل فرصة للتسوية.
وكأن في الأمر إشارة ما، دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، عقب المؤتمر الصحافي الذي عقده بوتين، الاتحاد الأوروبي إلى وقف التصعيد. وقال: «بمجرد انخراط روسيا في عملية قد تساهم في حل الأزمة الأوكرانية، لن يكون هناك أي سبب يدعونا إلى إطالة هذا الأمر أكثر من ذلك». ومن المثير للاهتمام أن هولاند توقف في موسكو في زيارة غير مخططة مؤخرا من أجل الحديث مع بوتين.
هذه اللغة في غاية النعومة؛ فروسيا بحاجة إلى القيام بما هو أكثر من «الانخراط في عملية»، لكن الفكرة سليمة؛ فقد كان الهدف من فرض العقوبات هو دفع بوتين إلى هذه النقطة. من الذكاء الإعلان بوضوح وصراحة أن التوصل إلى تسوية وانسحاب روسيا الدائم سوف يضع نهاية لتلك العقوبات التي لا ترتبط بضم إقليم القرم. ولنترك لبوتين مهمة توصيل ذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»