جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

إيطاليا: هل حان الدور على «المنطقة الحمراء»؟

في يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019، تابع البريطانيون، على شاشات تلفزيوناتهم، نتائج الانتخابات النيابية، أولاً بأول. وشاهدوا بأم أعينهم كيف تساقط الجدار الأحمر، في شمال انجلترا، قطعة قطعة، كجدار من ورق. المقصود بالجدار الأحمر، مدن الشمال الانجليزي، ذات الولاء التاريخي لحزب العمال والعداء لحزب المحافظين. رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون صمم مع أعضاء فريقه استراتيجية انتخابية تستهدف خرق ذلك الجدار وإسقاطه، وافتكاك مدنه، واحدة تلو أخرى. الخطة نجحت، وأنزل بحزب العمال، في عقر داره، هزيمة تاريخية نكراء. ما فعله المحافظون في بريطانيا بمهارة وعزم، كان ماتيو سالفيني رئيس حزب «الرابطة» في إيطاليا قد بدأه قبلهم، حين تمكن في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، من العام الماضي، من نقل المعركة إلى اليسار في أرضه، وافتك منهم منطقة أومبريا، على الحدود مع توسكانيا. اليوم الأحد، وغداً الاثنين، تبدأ معركة انتخابية مناطقية أخرى، أكثر سخونة، تتنافس فيها الأحزاب الإيطالية للفوز بحكم سبع مناطق، من مجموع 20 منطقة، تتكون منها إيطاليا. في المركز من هذه الانتخابات، المعركة التي ستجرى في توسكانيا، المعروفة تاريخياً باسم المنطقة الحمراء، لأنها كانت ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تحت نفوذ أحزاب اليسار. في البدء كان الشيوعيون، وحالياً الحزب الديمقراطي الحاكم في ائتلاف مع حركة «خمسة نجوم». استبيانات الرأي العام المنقولة عبر وسائل الإعلام تؤكد أن مترشحي الحزبين متساويان في النقاط. لكن تكهنات المراقبين والمحللين تميل كفتها لصالح مرشحة حزب سالفيني ،وهي امرأة لا يتجاوز عمرها 34 عاماً، توصف بأنها ذئب في جلد حمل. المناطق السبع المتنافس عليها أربع منها حالياً تحت سيطرة الحزب الديمقراطي. سقوط توسكانيا، وعاصمتها مدينة فلورنسا، ووقوعها في قبضة حزب سالفيني في حكم المتوقع، لأن حركة «خمسة نجوم»، الشريك في الائتلاف الحاكم مع الحزب الديمقراطي، بدلاً من الامتناع عن تسمية مرشح كي لا يحدث انقسام في أصوات اليسار، أصرت على وضع واحد على قائمة المتنافسين. وكما حدث في مدن الجدار الأحمر العمالي في شمال انجلترا، فإن سقوط منطقة توسكانيا سيكون ضربة موجعة جداً لليسار الإيطالي، خاصة أن أحزاب اليمين، استناداً للتقارير، تمكنت خلال العقد الأخير من الاستحواذ على عدة مدن في المنطقة. لكن الحزب الديمقراطي تمكن من إحكام سيطرته على العاصمة فلورنسا. كما يعني، أيضاً، أن المشهد الإيطالي سياسياً مثل نظيريه الأميركي والبريطاني، يبدو وكأنه في الوقت الحالي في وضع يشهد انحساراً في شعبية اليسار انتخابياً، وأن الرياح تهب بشكل مُواتٍ لصالح أحزاب اليمين، وخاصة الشعبويين بقيادة سالفيني، على أمل التمدد، على حساب ولاءات اليسار التاريخية، وابتلاع ما تبقى من مدنه وأنصاره، على طول الخريطة وعرضها. إيطاليا ليست وحدها في ذلك. العالم عموماً خلال الأعوام الأخيرة، يتغير سريعاً، وبرسم بياني ينعطف بحدة نحو اليمين.
سالفيني زار المنطقة بغرض تقديم الدعم لمرشحة حزب الرابطة. وتقول التقارير الإعلامية إن الرسالة التي أحضرها معه في مدينة أرتزو، على غير العادة، تفادت الإشارة إلى المهاجرين، وركزت على سياسات الحزب المتعلقة بتخفيض الضرائب، وتجديد البنية التحتية، وخاصة في قطاع الصحة. ما يريده سالفيني هو أن يضخ بالحيوية، من جديد، في شعبية حزبه التي انحفضت كثيراً، خلال أشهر حلول الوباء الفيروسي، لصالح الائتلاف اليساري الحاكم، نظراً للجهود التي قامت بها حكومة جوزيبي كونتي رئيس الوزراء في احتواء الوباء الفيروسي. المعلقون السياسيون المتابعون للانتخابات لا يبدون دهشة لما يحدث أمامهم على الأرض من تغير في توجهات الناخبين، وخاصة من الشباب. والسبب، لأن ما يطلق عليه في إيطاليا اسم «مناطق الحزام الأحمر»، وإن كانت، تاريخياً، مناطق يسارية الولاء سياسياً، إلا «أنها لم تكن كمدن شمال انجلترا معقلاً لطبقة عمالية صناعية، بل تعتمد على فئات اجتماعية من ممتهني المشاريع التجارية الصغيرة، والحرفيين، وجزء كبير من سكانها يناوئون العولمة، التي يبدو أن الحزب الديمقراطي حريص على أن يكون ممثلها». لذلك، فإنهم سيفضلون التصويت لصالح الحزب الذي يعدهم بالعمل على تخفيض الضرائب، وتجديد البنية التحتية للمنطقة.
خسارة الحزب الديمقراطي لمنطقة توسكانيا، استناداً إلى آراء المعلقين، تعني أن زعيمه نيكولا زينغاريتي سيواجه ضغوطاً شديدة، لأنه منذ أن تسلم الزعامة في شهر مارس (آذار) الماضي لم يتمكن من تغيير حظوظ الحزب نحو الأحسن في استبيانات الرأي العام، رغم أنه نجح في إقناع حركة «خمسة نجوم» بالدخول في ائتلاف، وتشكيل حكومة أقلية، وذلك بعد قرار سالفيني بفك الائتلاف مع نفس الحركة، وخروجه بحزبه من الحكم.