مارك شامبيون
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

مخاطر تدخل الكونغرس في السياسة الخارجية

استهزأ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أخيرا بالخطوة التي اتخذها مشرعون أميركيون لفرض عقوبات جديدة ضد بلاده، قائلا: «80 في المائة منهم لم يغادر الولايات المتحدة قط». ورغم أن هذا القول قد يفتقر إلى الدقة، فإنه حمل رسالة أوسع نطاقًا.
في الواقع، إن الولايات المتحدة تتسم بنظام استثنائي يسمح للسلطة التشريعية بالمشاركة في تفاصيل صياغة السياسات الخارجية، على نحو يتجاوز مهام الإشراف والموافقة على إعلان الحرب (وهي المهام اليومية للكونغرس، التي غالبا ما لا يضطلع بها على النحو الكافي). شكليا، قد تبدو مشاركة السلطة التشريعية في صياغة تفاصيل السياسة الخارجية أمرا جيدا، فمن المفترض أن ذلك سيضفي قدرا أكبر من الديمقراطية على العملية ويفرض قيودا على تحركات الرئيس - بيد أنه في أغلب الحالات لا يتحقق ذلك على أرض الواقع، وإنما يسفر هذا التدخل عن تقويض المصلحة الوطنية ويحبط الشركاء المفاوضين للولايات المتحدة.
ويرجع ذلك إلى أن ممارسة السياسة الخارجية أشبه بلعبة الشطرنج، حيث يتعين على اللاعب التفكير بشأن عدة قطع على الجانب الآخر من الرقعة ودراسة كثير من الخطوات مسبقا. وتبدل كل خطوة الوضع القائم على جبهات عدة (انظر مثلا للسياسة الأميركية تجاه سوريا والمفاوضات النووية مع إيران والعلاقات مع روسيا).
من جانبهم، يخوض الرؤساء الأميركيون هذه اللعبة بينما تقف لجنة كاملة خلف ظهورهم تراقبهم. ومن حين لآخر، تتدخل هذه اللجنة لاتخاذ خطوات من تلقاء نفسها، أو لوقف الرئيس من استخدام قطع بعينها على الرقعة. ورغم أن بعض أعضاء اللجنة يتميزون بمؤهلات رفيعة المستوى، فإن هناك آخرين لا يعلمون كثيرا عن العالم، وإنما تأتي تحركاتهم بدافع من اهتمامهم بالناخبين المحليين. ومثلما أشار لي هاميلتون، الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب قائلا: «يلعب الكونغرس أيضا دورا سلبيا في السياسة الخارجية عندما يعكس مصالح عرقية ضيقة وعندما يتورط في إجراءات مثيرة للانقسامات السياسية على صعيد السياسة الخارجية، بينما لا يولي اهتماما يذكر بمتطلبات حماية وتعزيز المصالح الوطنية الأميركية الأوسع».
علاوة على ذلك، فإن العملية التشريعية قد تعطل توقيت تنفيذ سياسة ما. وبحلول وقت تنفيذها، قد تكون تلك هي اللحظة الخطأ تماما. وبمجرد اتخاذ قرار تنفيذها، يصبح من العسير للغاية التغلب على تداعيات قرارات الكونغرس على صعيد السياسة الخارجية.
ولننظر لروسيا على سبيل المثال، حيث تحاول الولايات المتحدة وأوروبا إدارة أزمة تتعلق بالغزو الروسي شبه السري لأراضٍ أوكرانية. وتعتمد سياساتهما على العقوبات. ويعتمد تأثير العقوبات على مستوى التنسيق الدائر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (الشريك التجاري والمستثمر الأكبر لروسيا).
من ناحية أخرى، يرغب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب في تحرك الرئيس أوباما على هذا الصعيد بمعدل أسرع، لذا مرروا تشريعا يدعو لفرض عقوبات جديدة ضد روسيا ومعاقبة المؤسسات المالية الأجنبية التي لا تلتزم بالعقوبات الجديدة، إضافة لإرسال أسلحة لأوكرانيا. وتم تمرير مشروع القانون «بالإجماع» داخل مجلس النواب، من دون مناقشته، قبيل الساعة العاشرة والنصف مساء. وتبعا لسجلات الكونغرس، فإن 3 من إجمالي 435 نائبا كانوا حاضرين وقت التصويت، وهو رقم لا يعكس مطلقا «صوت الشعب».
من بين سلبيات هذا التشريع أيضا أن فكرة إرسال أسلحة لقتل جنود روس في أوكرانيا ليست بالفكرة الصائبة، مثلما سبق أن كتبت. بجانب ذلك، فإن دول الاتحاد الأوروبي صاحبة التبادل التجاري مع روسيا - التي على خلاف الحال مع الولايات المتحدة، تضررت جراء العقوبات - لن يروق لها أن يتم إخطارها بأن مصارفها ستتعرض للعقاب إذا لم تلتزم بعقوبات جديدة ضد روسيا لم يوافق عليها الاتحاد الأوروبي. في الواقع، هذه سياسة مثالية للقيام بما يود بوتين عمله نيابة عنه، من حيث إحداث انقسام بين أوروبا والولايات المتحدة. وقد وافق أوباما على التوقيع على مشروع القانون لأسباب منها امتلاكه المرونة اللازمة لتجاهل جزء كبير منه في الوقت الراهن.
وأخيرا، فإن الكونغرس متعثر تماما مثلما الروبل الروسي في انهيار. ويعود السبب الرئيسي وراء ذلك إلى تراجع أسعار النفط، مما يخلق ضغوطًا على الاقتصاد الروسي تفوق ما تطمح العقوبات لتحقيقه على مدار سنوات. وهناك مؤشرات توحي بأن بوتين قد يبحث عن سبيل لإنقاذ ماء الوجه في أوكرانيا. وأنا هنا لا أقترح رفع العقوبات فجأة، وإنما أرى أن هدف العقوبات هو ضمان التوصل لنتيجة معينة. وإذا اقتنع بوتين حقا بما سبق وأن قاله حول أنه بغض النظر عما يفعله، ستبقي واشنطن على العقوبات، فما هو إذن الحافز الذي سيدفعه للخروج من أوكرانيا؟
وليس من الصعب التعرف على سبب قناعته تلك، فقد استغرق الأمر 21 عاما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كي يلغي الكونغرس تعديل «جاكسون - فانك» الذي فرض عقوبات شجعت السوفيات على السماح لليهود بالهجرة. ورغم أن التعديل تحول لاحقا لمجرد رمز، فإن رفض الكونغرس إلغاءه شكل مصدر توتر لا ضرورة له في العلاقات مع روسيا طوال سنوات. وبالمثل، من المتوقع ألا يسارع الكونغرس برفع الحظر التجاري المفروض على كوبا منذ 54 عاما رغم استئناف أوباما للتو العلاقات الدبلوماسية معها.
ثم تأتي إيران، التي قد تمثل قضية السياسة الخارجية الأكثر احتمالا للتعرض لتدخل الكونغرس. ومن المؤكد أن الكونغرس القادم سيحاول مجددا تمرير واحد من مشروعات القوانين التي يجري العمل عليها منذ شهور، والتي ترمي لتشديد العقوبات ضد إيران في خضم مفاوضات جارية لإنهاء برنامجها النووي تقوم على فرض قيود على العقوبات ونشاطاتها بمجال تخصيب اليورانيوم خلال إجراء المحادثات. ومن شأن الإخلال بهذا الاتفاق قلب رقعة الشطرنج رأسًا على عقب.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»