نادية التركي
إعلامية وشاعرة وصحافية متمرسة تكتب بمجالات متعددة, متخصصة في اجراء المقابلات السياسية.
TT

تجربتي المهنية وارادة التحول من "الجبال" إلى"الدوائر"

عادة ما تتترك في نفسي كل شخصية ألتقي بها بصمة لا تفرقني , وغالبا ما أكون متعطشة قبل اجراء مقابلاتي مع الشخصيات التي أكون متأثرة بها , الى الإستماع والإستمتاع قدر الإمكان ليرتاح محدثي, ويمنحي مزيدا من وقته .
وخلال التغطيات الصحفية والإتصالات والحوارات التي أجريتها على امتداد حياتي المهنية, بدءا بالناس العاديين عندما كنت أغطي صفحات المجتمع, ثم الفنانين والمثقفين عندما حولت اهتمامي للثقافة والفن, ثم مشاهير عالم الموضة عبر عملي كمسؤولة أزياء في " سيدتي" .
كما شملت تغطياتي وحواراتي جوانب الإقتصاد والمال, وحتى تغطيات لمعارض عالمية للأسلحة.
أما تجربتي مع السياسة فرافقتني بالتوازي مع باقي اهتماماتي وكان أهمها بالنسبة لي مقابلتي مع بناظير بوتو سنة 1998 , ثم واصلت مسيرتي عبر لقاءات بكبار المسؤولين السياسيين بين وزراء ورؤساء دول عرب وأجانب .
وكنت في كل لقاء أطمح للتعرف على الشخصية عن قرب, لمعرفة الجانب الإنساني فيها, بقدر الطموح الذي يغمرني للتفرد بمعلومة لم تمنح لغيري.
فقد كان يرضي غروري المهني ان أرى الخبر الذي كتبته أو الحوار الذي أجريته ووكالات الأنباء تتناقله عن صحيفتي" الشرق الأوسط" ولم يكن يهمني ذكر اسمي بقدر ما يهم انني من انفردت بالخبر وجعلت الشريط المتحرك على شاشة التلفاز يحمل اسم صحيفتي.
وقد توفقت في أغلب الأحيان ان لم أقل دائما في الوصول الى الإنسان داخل السياسي أو الإعلامي أو الفنان أو رجل الإقتصاد, الذي قد لا يعكس وجهه وخطاباته حقيقته.
وكنت جدا محظوظة خلال مسيرتي بالتعرف الى "عظماء" ومفكرين حقيقيين, وأصحاب مبادئ, وسياسيين يتمتعون بحكمة شربت منها ولا زلت أبحث عن الإرتواء.
ومن الأشخاص الذين قابلتهم وتركوا بصمة في حياتي , ولا أعتقد أني سأنساهم الى آخر يوم في حياتي , -هذا طبعا اذا لم أصب بالزهايمر الذي ارى بعض علاماته قد بدأت بالظهور مبكرا- البروفيسور شريف بسيوني, والمعروف بأب القانون الجنائي الدولي والغني عن التعريف فنور علمه في المجال القانوني أشع على اركان الأرض عبر كتاباته والمهام الصعبة التي قام بها بتكليف من الأمم المتحدة.
كنت وبعد مقابلة صحفية اجريتها معه منذ أشهر ل"الشرق الأوسط" جالسة استمع اليه وكأني طفلة , بدأت حياتها لحظة لقاء ذلك الرجل المبتسم دائما, البسيط, المتواضع , والشامخ بأعماله وانجازاته, وكنت أود أن لا ينقطع عن الحديث لحظة فتجاربه كانت متعة حقيقية سرد من خلالها المواقف التي تجمع بين الخطر , وثقل المسؤولية لا تخلو من دعابة تجعل اسلوبه أكثر تشويقا.
ومن أهم النظريات التي جاءت في حديثه أنه أخبرني أن هناك ثلاثة أنواع من البشر, وحددهم بأشكال هندسية , وشرح:
النوع الأول هم يمكن ان ينطبق عليهم شكل الخط المستقيم, وهم الناس العاديون الذين يولدون , يكبرون يلتحقون بمهنة أو وظيفة عن اختيار أو غير اختار لكنهم يستقرون فيها الى سن التقاعد ويكونون راضون ان لم نقل سعداء وتنتهي حياتهم بنفس الطريقة.
والنوع الثاني هم الناس الذين تكون حياتهم على شكل سلسلة جبلية فيصلون قمة النجاح , ثم يسقطون , ثم يحاولون ثانية , ويصلون ثم يسقطون, ابتسمت وقتها بسعادة وقلت للبروفيسور أنا من هذا النوع, لكن سرعان ما فترت ابتسامتي لأني علمت أني لن أفرح انتظار السقوط التالي سينزع أفراحي بالصعود بعد تعلم هذه النظرية, لكن البروفيسور بسيوني لم ينقطع عن الكلام واسترسل متحدثا عن النوع الثالث, والذي صنف نفسه على انه ينتمي اليه وهو نظام أو تشكيلة الدوائر, وهنا قصد الأشخاص الذين يبدؤون بدائرة صغيرة يغلقوها, ثم يتحولوا الى دائرة أوسع ثم يقفلوها , ثم الى أخرى أوسع ثم وفي نهاية حياته سيجد نفسه في الدائرة الكبرى التي تحتوي كل ما مر به من مراحل.
منذ ذلك اليوم قررت أن أنتقل من سلسلة الجبال الى نظام الدوائر, معتمدة على حماسي الناري للعمل الذي أقوم به, وارادة التحول, وعزمت ان لا سقوط بعد الآن ولا وهم بالوصول الى قمم الجبال, انما الحياة دوائر وكل دائرة مرحلة , وباغلاقها انتقل الى مساحة أوسع لأستثمر ما أكتسبت من خبرة وأضع طاقتي المتحركة في هذا المجال, ونسيت أن أعلمكم أنني ومنذ طفولتي الأولى كنت قد اتخذت قراري المهني, اما اعلامية أو ..."سيدة بيت"(مستحيل)!!....).