تيلر كوين
TT

المخاطر الوهمية لـ«كوفيد ـ 19»

فيما يتعلق بفيروس «كوفيد ـ 19»، يساورني القلق حيال مشكلة «المخاطرة الوهمية». ورغم أن المخاطر المرتبطة بفيروس «كوفيد ـ 19» تبدو حقيقية للغاية، لكن عند نقطة معينة سنستمر في الشعور بتأثير هذه المخاطر في وقت لن يكون لها وجود، تماماً مثلما يشعر من يتعرضون لبتر بأحد أطرافهم بما يطلق عليه «الطرف الوهمي».
كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
على الجانب المشرق، لا يزال التقدم الطبي في مواجهة «كوفيد ـ 19» يبدو مبهراً، ذلك أن جهود إنتاج أمصال تمضي قدماً على نحو جيد يسبق الجدول الزمني المحدد لها، في الوقت الذي يجري اكتشاف سبل أسرع وأرخص لإجراء الاختبارات، ويشرع الباحثون في فك طلاسم كيفية تفاعل «كوفيد ـ 19» مع جهاز المناعة. علاوة على ذلك، هناك تحسن واضح في علاج المرضى الموجودين بالمستشفيات.
النقطة الأبرز هنا أن احتمالات وفاة شخص ما بسبب «كوفيد ـ 19» تتراجع، ومن المحتمل أن تستمر في التراجع. وقد عايشت الكثير من أرجاء الولايات المتحدة، بما في ذلك مقاطعة فيرفاكس في فيرجينيا التي أسكن فيها، على نحو متزايد، أياماً لم تشهد حدوث أي وفيات على الإطلاق. في الوقت ذاته، لم تعد المستشفيات تعاني ضغوطاً كبرى، الأمر الذي يفتح الطريق أمام استئناف الإجراءات الطبية الأخرى. وعليه، يشير الاحتمال الأكبر أنه بعد مرور تسعة شهور، أو ستة أو ربما حتى ثلاثة شهور من الآن، ستصبح معدلات الوفاة من «كوفيد ـ 19» أقل بكثير.
وتبدو تلك أنباء سارة للأسواق أيضاً ـ ومع ذلك، لا أشعر بالتفاؤل فيما يخص الجانب الاقتصادي. لقد تحولت حالات الإصابة بـ«كوفيد ـ 19» إلى نوع من الوصمة، ومن المحتمل أن تستمر هذه الوصمة لما وراء الأخطار المرتبطة بالفيروس ذاته.
على سبيل المثال، إذا جرى تحديد 20 إصابة بـ«كوفيد ـ 19» داخل مدرسة ثانوية اليوم، فإن ثمة مخاطرة حقيقية لأن يحمل هؤلاء الطلاب المصابون الفيروس معهم إلى أسرهم ويصيبوا به أشخاصاً أكبر سناً وأكثر عرضة للخطر.
علاوة على ذلك، هناك مخاطرة لأن يتعرض الطلاب أنفسهم لأضرار. ومن غير المثير للدهشة أن نجد أن غالبية المدارس لن تعيد فتح أبوابها بسبب عجزها عن تحمل عبء ـ على الأصعدة المؤسساتية والقانونية وغيرها ـ الارتباط بأعداد كبيرة من إصابات «كوفيد ـ 19».
والتساؤل الأكبر الآن كيف ستنتهي تلك الوصمة. إذا ما تراجعت معدلات الوفاة والأضرار المحتملة على المدى الطويل إلى نصف مستوياتها الراهنة؟ الثلث؟ أقل؟ من جانبي، أشك بقوة في أن ذات تلك المدارس ستبقى غير مستعدة لإعادة فتح أبوابها، الأمر الذي يعود لأسباب منها مسألة المخاطرة الوهمية.
وإذا انخفضت معدلات الوفاة والأضرار إلى خمس مستوياتها الراهنة، فربما سنشهد المزيد من إجراءات إعادة الفتح ـ لكن سيبقى هناك الكثير من التردد لاستئناف المستويات السابقة من الحضور. ماذا عن عشر مستوى الوفيات الحالي؟ يظل من الصعب تحديد متى سيشعر الناس بالارتياح والطمأنينة من جديد.
في الحقيقة، ما دام من الممكن وقوع أعداد كبيرة من الإصابات ـ بغض النظر عن معدلات الوفاة ـ فإن الكثير من الشركات والمؤسسات لن تسمح للعمال والزائرين بالتكدس داخل مصاعد أبنيتها ببساطة.
وعلى ما يبدو، فإن الكثير من المواقع التي من المحتمل أن تشهد ظهور مجموعات من الإصابات التي يمكن تحديدها واقتفاء أثرها، ستبقي على أبوابها مغلقة، أو ستفتحها فقط على نحو محدود للغاية. وعليه، فإن انخفاض معدلات الوفيات لن يجدي كثيراً في هذا الصدد، لأنَّ عنواناً من عينة «رصد 37 حالة إصابة بـ(كوفيد ـ 19) داخل جامعة كاليفورنيا في بركلي» كفيل بأن يخلق مخاطرة كبرى لسمعة الجامعة، ويستثير رداً مؤسسياً قوياً. وحتى إذا تعافى جميع المصابين بسرعة، فإنَّ هذا الأمر لن يحظى بذات التغطية الإعلامية.
في واقع الأمر، أنهت جامعة نورث كارولاينا في تشابيل هيل لتوها التعليم المباشر وجهاً لوجه، بسبب إصابة 177 طالباً من بين 30 ألفاً بفيروس «كوفيد ـ 19». ويمكنك هنا الجدال حول ما إذا كان هذا العدد يعتبر ضخماً، لكن في نهاية الأمر تبقى لوجهات النظر العامة أهمية أكبر عن العدد المحدد للإصابات.
المؤكد أن المدارس ستكون المتضرر الأكبر من هذا النفور من المخاطرة، لأنه من السهل نسبياً التعرف على أن ظهور مجموعة من الإصابات بين الشباب جاء نتيجة تفاعلهم داخل المدرسة. وينطبق الأمر ذاته على الكثير من أماكن العمل داخل القطاع الخدمي والتي تتسم بتكدس نسبي. أما دور السينما وأماكن الترفيه فتواجه موقفاً أسهل، لأنه حال ظهور عدد من الإصابات المحلية، فإنه لن يكون من الواضح ما إذا كان الجميع قد شاهدوا الفيلم ذاته معاً.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن أبحاثاً أجريت في وقت قريب كشفت أن الفعاليات الرياضية الاحترافية قبل ظهور «كوفيد ـ 19» زادت مخاطرة الوفاة جراء الإصابة بالإنفلونزا داخل مدينة ما بنسبة تتراوح بين 4 في المائة و24 في المائة ـ وهي نسبة لا يستهان بها. ومع ذلك، فإنَّ أعداداً أقل من الأشخاص يخالجهم القلق حيال هذه المشكلة لأنها ليست حية من الناحية النفسية ولا تحظى بدعاية كبيرة. أما مخاطرة الإصابة بـ«كوفيد ـ 19» فلن تنتقل إلى فئة مشابهة بسهولة، بالنظر إلى الصدمة المروعة التي أحدثها الفيروس في نفوس الأفراد وعلى مستوى المجتمع ككل.
بطبيعة الحال، من غير الممكن أن يستمر هذا الوضع إلى الأبد، ذلك أنه عند نقطة معينة ستنفد الأموال والدعم السياسي من المدارس والمؤسسات. ومع ذلك، يبقى من الواضح أن التقدم على الصعيد الطبي سيفوق وتيرة التعافي الاقتصادي داخل القطاعات التي تعتبر عرضة لظهور مجموعات من الإصابات بـ«كوفيد ـ 19» التي يمكن رصدها والإبلاغ عنها.
أما المحصلة النهائية لكل ذلك فهي انتقال المجتمع من التقليل على نحو خطير من خطورة الفيروس إلى المبالغة على نحو خطير. وإذا كنت ترغب في التعرف على متى سيشرع الاقتصاد الأميركي في معاينة تعاف حقيقي، فعليك التركيز على مسألة المخاطرة الوهمية، لأنَّها ستظلُّ عائقاً كبيراً حتى بعد تجاوزنا للجزء الأكبر من الأخطار الحقيقية.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»