زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

أين مومياء الملكة نفرتيتي؟

جاءت إلى مصر سيدة إنجليزية للعمل مع بعثة لدراسة المومياء التي عثر عليها داخل مقبرة الملك أمنحتب الثاني، والتي تحمل رقم (35). هذه المومياء عُثر عليها ملقاة على أرضية حجرة جانبية بالمقبرة، وكانت في حالة شديدة السوء، كما أن ذراعها الأيمن مقطوع. وقد قامت جوان فليتشر، الأثرية الإنجليزية، بدراسة هذه المومياء، وأعلنت من دون أن تخبر المجلس الأعلى للآثار أن هذه المومياء تخص الملكة نفرتيتي، بل وقامت بعمل فيلم عن طريق قناة «ديسكفري» عن الكشف. واعتمدت في هذا الاستنتاج على وجود ذراع أيمن ملتوٍ ملقى بجوار المومياء أكثر من اعتمادها على ذراع آخر مستقيم عُثر عليه أيضاً بالقرب من المومياء. وهذا الأمر، طبقاً لنظرية فليتشر، يدل على كونها مومياء ملكية، حيث إن الملكات عادة ما تحنط بطريقة تجعل الذراع الأيسر منحنياً على الصدر، والآخر مستقيماً. وفي حقيقة الأمر، فإن وضع اليدين بتلك الطريقة لا يدل أبداً على أنها مومياء الملكة نفرتيتي، بل فقط يدل على أن المومياء ملكية.
وهناك نقطة أخرى تتعلق برأي هذه السيدة الإنجليزية عن أن هذه المومياء للملكة نفرتيتي، وذلك أن الجزء السفلي لوجه المومياء المرأة الشابة في حالة سيئة، وهذا يعد دليلاً على شكل مختلف تماماً عن الشكل الخاص بوجه الملك إخناتون. وصرح د. أشرف سليم، أستاذ الأشعة بالقصر العيني، وكان ضمن فريق البحث الذي عمل معي، بأنه إذا كان وجه المومياء قد دمر بعد عملية التحنيط، فإنه من المتوقع أن نرى كسوراً بالعظام الجافة وبشرة ذات جروح. وقد كشفت بعد ذلك نتائج دراسة هذه المومياء عن طريق جهاز الأشعة المقطعية (CT Scan) عن وجود قطع صغيرة جداً من العظام المكسورة ضمن فجوة الجيوب الأنفية، مما يرجح أن الإصابة البالغة التي أصيب بها الوجه قد حدثت قبل عملية التحنيط أو قبل الوفاة. وقد أعلنت، بعد إعلان هذه السيدة عن أن هذه المومياء للملكة نفرتيتي، أن هذه المومياء ليست نفرتيتي؛ وذلك لأن باروكة الشعر التي كانت ترتديها الملكة نفرتيتي، والتي عثر عليها بالمقبرة، أيضاً وجدت أن أذني المومياء مثقوبتان مرتين. وهاتان النقطتان يمكن أن نراهما بالنساء غير الملكيات بالدولة الحديثة، الأمر الذي يجزم أن تلك المومياء ليست للملكة نفرتيتي. وقد قمنا بدراسة هذه المومياء عن طريق جهاز الأشعة المقطعية من خلال المشروع المصري لدراسة المومياوات الملكية، واتضح لنا من خلال الـ«CT Scan» أن العمر المقدر لهذه المومياء هو 25 - 35 عاماً.
وبعد ذلك، قمت بدراسة هذه المومياء عن طريق الـ«DNA»، واتضح أن هذه المومياء هي أم الملك توت-عنخ-أمون، وأنها ابنة الملك أمنحتب الثالث والملكة تي. ومن المعروف أننا لم نعرف اسم هذه السيدة، ولكن نعرف أن أمنحتب الثالث كان لديه أكثر من ابنة، قد يصل عددهن إلى خمس بنات، ولكن ليس لدينا أي دليل عن أن الملكة نفرتيتي كانت ابنة الملك أمنحتب الثالث، ولكن العثور على هذه المومياء قد أشار إلى أن الملك إخناتون قد تزوج أخته الشقيقة، وهذا هو سبب العثور على كثير من المشكلات الصحية لدى ابنهم توت. أما مومياء الملكة نفرتيتي، فأعتقد أنها المومياء التي عثر عليها داخل المقبرة رقم (21)، وأن المومياء التي بجوارها من دون رأس تخص ابنتها غنخ-إس-أن-آمون، وهذا موضوع الدراسة الآتي.