كلارا فيريرا ماركيز
TT

التعلم عن بعد في زمن الوباء

تعدّ تجربة التعلم عن بُعد ذات أبعاد استثنائية من مختلف النواحي - ولكنها ربما تقدم بعض الدلائل على كيفية الاستعانة بالنظم المدرسية في كل أرجاء العالم وتسخير إمكانات التكنولوجيا الحديثة في تحسين نتائج التعلم لجميع الطلاب. وكانت جودة التعليم التي حصل عليها الطلاب خلال الأزمة الراهنة متفاوتة إلى درجة ملحوظة. إذ كانت الفجوة الرقمية، وما استتبعها من تفاوت كبير في الفروض المنزلية، واقعية ومشهودة لدى الجميع. كان الآباء والأمهات الأثرياء على مقدرة للبقاء في المنزل، وهم أكثر تعليماً وأكثر مقدرة من الناحية المادية على إعالة أطفالهم، ولديهم ما يكفيهم من الأجهزة الإلكترونية والحواسيب المحمولة، وشبكة الإنترنت المنزلية الثابتة، مع وجودهم في المنازل ذات المساحات الشخصية الخاصة التي توفر قدراً معتبراً من الخصوصية. وفي هونغ كونغ، كشف استطلاع للرأي أجرته «جمعية المجتمع المحلي» في مارس (آذار) الماضي على الأطفال الأقل ثراء في البلاد عن مشكلات التعلم عن بُعد التي يعاني منها هؤلاء الأطفال، ويتصل معظمها بضعف الاتصال بشبكة الإنترنت. وحتى أولئك الذين تمكنوا من التغلب على هذه العقبة، لا يتمكنون دائماً من الاستفادة من أغلب الفرص المتاحة على الإنترنت من دون مساعدة إضافية من الآخرين.
غير أن ذلك لا يعني أبداً أن أكبر تجربة للتعلم عن بُعد في التاريخ محكوم عليها بالسقوط والفشل. فهناك إمكانية حقيقية لأن تشهد التجربة مزيداً من الاضطرابات، سواء كانت بسبب سوء الأحوال الجوية القاسية أو انتشار الأوبئة واحداً تلو الآخر، ولا يمكننا تحمل أن يتخلف مئات الملايين من أطفالنا عن ركب التعليم جراء ذلك. ومن خلال البنية التحتية الصحيحة، من الممكن إعادة التفكير في الهياكل الأكاديمية التي لم يطرأ عليها التغيير منذ العصر الفيكتوري ومن نواحٍ عديدة، مع الخروج بخيارات أخرى جديدة وأكثر شمولاً ومرونة تواكب العصر الحاضر. ولن يكون التغيير رخيصاً، ولكن في عصر المحفزات المالية بتريليونات الدولارات، ربما يكون ذلك هو أفضل استثمار نقوم به.
كان كل من تحدثت إليهم تقريباً، من مديري المدارس إلى الطلاب وحتى أولياء الأمور، قد أعربوا عن خيبة أملهم الشديدة بسبب الانتقال المفاجئ إلى التعليم الافتراضي خلال الأزمة الصحية الراهنة. فلقد كانت أغلب المؤسسات التعليمية غير مستعدة تماماً للانتقال إلى التعليم عبر الإنترنت. ولقد نشأ ذلك الإحباط الشديد، في جزء منه، عن نظرتنا المفرطة في التفاؤل بشأن مدى سهولة التدريس والتعليم والتعلم عبر الإنترنت. وليس هذا بالأمر الجديد علينا، إذ كانت المحطات الإذاعية، ثم القنوات التلفزيونية، ثم الدورات الدراسية المفتوحة أمام الجميع عبر الإنترنت، من المفترض أن توفر القدر المنتظر من التعليم فائق الجودة للجميع، غير أن الأزمة الراهنة كشفت زيف الخيالات الموهومة وأن الواقع الراهن لا يرقى أبداً إلى مستوى التوقعات المتصورة.
جاءنا التعلم عن بُعد بكثير من المحدوديات الكامنة. ففي الصين، وصلت الرسوم الدراسية عبر الإنترنت على مستوى الدولة إلى نحو 500 مليار يوان (ما يساوي 71 مليار دولار)، لكن حتى في هذه الصناعة بهذا الحجم المهول، فإن الدروس الإلكترونية الافتراضية، لا توفر أبداً البدائل الكاملة والملائمة تماماً للطلاب. وأصبحت المدارس تساعد الأطفال في التحول إلى كائنات تعمل بالاكتفاء الذاتي تعليمياً التي يمكنها التقدم والتطور في المجتمع عبر هذه الوسيلة. وتحاول المدارس التعليم وتصميم العادات الدراسية الجيدة. كما أنها تسمح لأولياء الأمور بالعمل، ويعني ذلك في كثير من الأماكن توفير المأوى والمواد الغذائية الضرورية. ولقد كانت المدارس الحقيقية تلعب هذا الدور المهم قبل انتشار الوباء، ولسوف تكون هذه الأدوار أكثر أهمية بعد زوال الجائحة.
ومع ذلك، فإن غرف الدراسة التقليدية هي أبعد ما تكون عن الكمال، كما يعرف ذلك تماماً الطلاب الذين يعانون من بعض صعوبات التعلم. ومن غير الواضح أيضاً ما إذا كان النموذج المتبع حالياً هو الأفضل والأنسب لإعداد العمالة والموظفين في المستقبل. يقول سوغاتا ميترا، مهندس برمجة الحواسيب الذي تحول إلى باحث في المجال التعليمي وبرز اسمه من واقع تجربة «ثقب الجدار» التعليمية التي أجراها في الهند، إن البيئة التعليمية الحالية هي نتاج الحقبة الإمبريالية السابقة، وهي موجهة نحو تدريب أجهزة الحواسيب البشرية على الكتابة اليدوية الواضحة والميسرة مع إجراء الحسابات الرياضية السريعة. ولكن الاقتصاد الحديث، من ناحية أخرى، يستلزم موظفين لديهم القدرة على الابتكار والإبداع والتعاون المشترك في حل مختلف المشكلات.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»