فيتالي نعومكين
رئيس «معهد الاستشراق» التابع لأكاديمية العلوم الروسية/ موسكو
TT

جدول مقترح للمفاوضات الأفغانية

بعث توقيع الاتفاق بين الولايات المتحدة، وحركة «طالبان»، في 29 فبراير (شباط) من هذا العام، بعض التفاؤل بشأن إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية للصراع بين الحكومة و«طالبان» في أفغانستان. ولكن حتى الآن لم يتم التمكن من إيقاف العمليات العسكرية، والأزمة السياسية الجارية لا تزال تشكل خلفية سيئة لبدء المفاوضات بين الأفغان. نعيد إلى الأذهان أن الجدل حول نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام الماضي لا يزال مستمراً. وكما هو معروف، تنفيذ اتفاق الإفراج عن الأسرى يواجه صعوبات أيضاً.
إن وقف إطلاق النار واعد عندما يرتبط بخطة سلام. أما إذا كان عملاً إنسانياً ناتجاً عن حالة طارئة - كما هي الحال مع جائحة «كورونا»، باعتباره جزءاً من الحجر الصحي، فإن وقف إطلاق النار مهدد بأن يكون هشاً للغاية وقصير الأجل. والأمل في أن تحوله الأطراف المتنازعة إلى حالة دائمة وطويلة الأجل، ضعيف للغاية. بالطبع، إن أي وقف لإطلاق النار أفضل من الحرب، وإذا رافقه إطلاق سراح المقاتلين الأسرى والمختطفين، يمكن أن يساعد إلى حد ما في بناء الثقة. لكن هذا يبقى، بشكل أو بآخر، خطوات تكتيكية.
أما عملية المفاوضات، كما يبدو لي، ينبغي أن تسترشد بالمشكلات الاستراتيجية. دعونا، في الوقت الحالي، نترك جانباً مسألة مدى واقعية الاتفاق على بدء المفاوضات بين الأفغان، ذلك لأن هذا حتى الآن لم يكن ممكناً (لن أتطرق إلى المطالب المعروفة للأطراف). لنفترض أن المفاوضات قد بدأت، وانطلقت العملية، ونتطرق إلى أهم المشكلات الاستراتيجية التي يجب الاتفاق عليها (على الرغم من أن هذا، كما نعلم من أمثلة في عدد من الدول العربية، ليس كل شيء، وللأسف هناك أمثلة كثيرة على المفاوضات التي دخلت في مأزق).
أولاً: طبيعة الدولة الأفغانية. حتى الآن، أصرّت «طالبان» على أن تصبح أفغانستان منطقة إسلامية، وهو أمر غير مقبول لكل من: الطرف المفاوض الآخر، أي الحكومة في كابل، وللأميركيين أيضاً، ولن تتراجع «طالبان» عن اسم «الجمهورية الإسلامية». من الواضح أنه يمكن استخلاص تشابهات مباشرة مع مشكلة الاسم، التي تشترك فيها بعض الأطراف المتنازعة في العالم العربي (أذكر، على سبيل المثال، أن بعض قادة الأكراد السوريين يرغبون في إزالة كلمة «العربية» من اسم الجمهورية السورية).
ثانياً: مشكلة طبيعة السلطة المركزية في كابل، وهي مرتبطة بالمشكلة الأولى. لا يزال من غير الواضح تماماً ما إذا كان كل طرف في المفاوضات الأفغانية مستعداً لتقاسم السلطة، وإذا كان الأمر كذلك، بأي شروط. هذه المشكلة ليست فقط نقطة خلاف بين الجمهوريين الحكوميين و«طالبان»، بل ومجموعات مختلفة داخل سلطات كابل، وفي المقام الأول أشرف غني وأنصاره، من ناحية، وعبد الله عبد الله وأنصاره، من ناحية أخرى. إذ يرغب الأخير في تحويل النظام الرئاسي المغلق إلى نظام لا مركزي شبه رئاسي. يعتقد بعض المحللين أن أشرف غني يرسل إشارة إلى معارضيه في المؤسسة بأنه ليس مستعداً لأي تقاسم جاد للسلطة أو لأي لامركزية.
وزير الخارجية الأفغاني الجديد، السياسي المؤثر جداً الذي عاد مؤخراً إلى الحكومة، حنيف أتمار، انفصل عن حلفائه السابقين في الكتلة التي حُلت نتيجة لذلك (سياسيون مؤثرون، من الإثنية الطاجيكية عطا محمد نور ويونس قانوني)، التي أعلنت عن انتقادها للمركزية المفرطة. قبل ذلك، تمكنت هذه الشخصيات حتى من الاتفاق على طلب إنشاء منصب رئيس الوزراء في البلاد. من الواضح الآن أن أتمار في هذه المرحلة يلعب دوراً مهماً في التمسك بمبدأ الهيكل المركزي، الذي وفقاً لمؤيديه، قادر على ضمان الحكم الفعال للبلاد. ومع ذلك، وفقاً للمحللين الأفغان، لم يتمكن غاني وأتمار بعد، كما كانا على الأرجح قد خططا، من تفكيك كتلة عبد الله عبد الله. من المحتمل أن لقاء أتمار مع أحد قادة الهزارة محمد محقق والزعيم الإسماعيلي سعيد نديري لم يساعد في ذلك.
ثالثاً: تنظيم الحكم المحلي. والسؤال هنا ليس فقط ما هو مقدار السلطة التي سيتم نقلها إلى المحافظات، ولكن أيضاً كيف يمكن تقسيم السلطة بين الأطراف المتنازعة على هذا المستوى في الظروف التي يحتكر السلطة فيها اليوم طرف أو آخر. وما لا يقل أهمية، هو أن معظم هذه المحافظات تقطنها، بشكل رئيسي، مجموعات معينة، إما عرقية أو دينية، من السكان.
رابعاً: المشكلة التي تنسجم مع سابقتها، هي مشكلة التركيبة القبلية والعرقية الدينية، والتغلب على القبلية والطائفية. وهنا بالكاد يمكن لأي شخص إنكار التشابه مع بعض الدول العربية، حيث: إما فشل السياسيون في إيجاد الحل الأمثل لمشكلة تكييف نظام الدولة والسياسة المحلية مع تنوع سكان البلاد، أو القوى الخارجية، والتلاعب بهذه الميزة في التركيبة السكانية، هو الذي أثار تصادم المصالح. وفي بعض الحالات، عمل السببان معاً.
خامساً: مشكلة اندماج الفصائل المسلحة للأطراف المتنازعة. من حيث المبدأ، ينبغي أن يدور الحديث حول انضمام فصائل «طالبان» إلى القوات المسلحة الأفغانية. ولكن، كما نعلم من تاريخ دول مختلفة في العالم، فإن جمعَ مقاتلين قاتلوا وقتلوا بعضهم البعض لسنوات عديدة في هيكل واحد ليس بالمهمة السهلة، إن لم تكن مستحيلة. نحن بحاجة إلى البحث عن صيغ تسوية متطورة متفق عليها من قبل فرق التفاوض والإدارة العليا للأطراف، مع توفير ضمانات وآليات رقابة مناسبة. الحلول البديلة الافتراضية يمكن أن تكون: الحفاظ على هيكلين عسكريين متوازيين، حل القوات المسلحة لـ«طالبان»، ودمج بعض عناصرها فقط في الهيكل الرسمي الحالي. من الواضح أنه بالكاد يكون أي من هذه الحلول البديلة مقبولاً لأفغانستان والجهات الخارجية الراعية لعملية السلام. في الحقيقة، يمكن للتجربة العراقية أن تكون مفيدة للأفغان (وهذا يعني بالدرجة الأولى، وجود قوات «البيشمركة» في كردستان العراق، وكذلك، إلى حد ما، وحدات أخرى).
هنا تكمن الاستراتيجية العسكرية الفعلية للبلاد في حل مهمة تدمير نحو عشرين جيباً (كما يعتقد بعض الخبراء الأميركيين) من الجماعات الإرهابية، بما في ذلك «تنظيم القاعدة» و«تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان». بالمناسبة، يتعين على «طالبان» بذل جهود جمة لكي تشطب من قائمة الجماعات الإرهابية.
سادساً: هي مسألة التنمية الاقتصادية (لا نعلم حتى الآن إلى أي مدى تعاني أفغانستان من وباء فيروس كورونا، الذي أصاب الاقتصاد «بلا رحمة» في جميع بلدان العالم تقريباً). لحل هذه المشكلة، من الضروري الشروع في معركة حاسمة ضد الفساد المرعب، وكذلك ضد الإنتاج غير المشروع للمخدرات وتهريبها. هناك خلافات كبيرة حول الاستراتيجية الاقتصادية بين اللاعبين الرئيسيين داخل كلا الطرفين.
سابعاً وأخيراً: مشكلة استراتيجية السياسة الخارجية. إن علاقات أفغانستان الصعبة مع القوى المجاورة، ومع مراكز القوة العالمية، والخلافات الخطيرة بين كابل و«طالبان» حول قضايا السياسة الخارجية تضعها أيضاً على أجندة المفاوضات بين الأفغان.
ولكن مع ذلك، هل سيكون من الممكن إجلاس الأطراف الأفغانية المتصارعة خلف طاولة المفاوضات، وإعطائهم مثل هذا الزخم الذي لن يسمح لهم بإفشالها؟ هناك العديد من السيناريوهات لتطور الوضع؛ تتراوح بدءاً من انهيار البلاد، وصولاً إلى المصالحة الوطنية. يعتمد السيناريو الذي سيتم تحقيقه في الواقع، وقبل كل شيء، على الأفغان أنفسهم، ولكن إلى حد كبير أيضاً على اللاعبين الخارجيين الذين لهم تأثير كبير على الوضع في البلاد. من بينهم، كما هو معروف، دول عربية. بالنسبة للعالم العربي، فإن أفغانستان مهمة أيضاً لأن مشاكلها تتداخل إلى حد كبير مع تلك التي يتعيَّن على العرب حلها.