جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

الجيوش يمكنها المساعدة في معركة الأوبئة

يعتبر وباء فيروس «كورونا» الراهن من أبرز التحديات القوية للأمن القومي الأميركي، وكيفية استجابة البلاد هي من المعالم البالغة الأهمية، إذ ينبئنا التاريخ البيولوجي للبشرية بأن وباءً آخر، وربما أشد فتكاً وأوسع تأثيراً، قد يكون من الاحتمالات التي لا محيد عنها. ومن شأن القوات المسلحة الأميركية أن تضطلع بدور قيّم ومؤثر في المساعدة على مكافحة الوباء المحتمل القادم، هذا إن استوعبنا الدروس المستفادة من الأزمة الراهنة، وأدخلناها حيز التنفيذ الفعلي.
تشكل القوات المسلحة الأميركية مستودعاً كبيراً وهائلاً من المواهب والموارد. فهناك 1.2 مليون فرد قيد الخدمة الفعلية، مع ما يقرب من 800 ألف فرد آخرين في قوات الحرس والاحتياطي. ومن الناحية الافتراضية، جميعهم من الشبان بصورة نسبية، ويتمتعون بصحة ممتازة، ومعتادون على العمل تحت حالات الضغط الشديد، ولقد تلقى الكثير منهم التدريبات الأساسية على كيفية التعامل والاستجابة في بيئات الحرب البيولوجية. ومن واقع الأعمال التطوعية البسيطة، فقد برهن أولئك الأفراد على استعدادهم لتحمل المخاطر الشخصية الكبيرة في حماية الآخرين.
يتعين للأولوية القصوى للقوات المسلحة أن تبقى قيد التأهب من أجل «القتال الليلة»، كما تقول وزارة الدفاع الأميركية: إبقاء القوات قيد التأهب والاستعداد الأقصى للقيام بتنفيذ العمليات القتالية السريعة والمستمرة في أي مكان حول العالم. ووفقاً لتلك الرؤية، فهناك الكثير من الأعباء التي تتحملها وزارة الدفاع في المساهمة لاحتواء انتشار الأوبئة والأمراض المعدية. وأطرح بين أيديكم خمس أفكار، تتحرك من الإصلاحات الاستراتيجية الواسعة المجال إلى التدابير التكتيكية المحدودة التأثير، والمعنية بتسخير القوة العسكرية في مكافحة الأوبئة مستقبلاً.
توسيع مجال الاستخبارات الطبية. ينقسم مجتمع الاستخبارات الأميركي بين 17 جهة منفصلة، ومن المفترض دمجها جميعها تحت مظلة مدير وكالة الاستخبارات الوطنية. وفي واقع الأمر، فهناك القليل من التنسيق الحقيقي فيما بينهم، كما أن الفجوات في الاستخبارات - مع بعض الخلافات - من الأمور الشائعة والمعروفة. وهناك جانب كبير من القدرات الاستخبارية للأمة هي جزء لا يتجزأ عن وزارة الدفاع، بما في ذلك وكالة الاستخبارات الدفاعية، ووكالة الأمن القومي، فضلاً عن التنظيمات الاستخبارية لكل فرع من الأفرع العسكرية الرئيسية. ويمكن لهذه الوكالات تعزيز جهود الصحة العامة في البلاد من خلال رفع قدراتها على جمع المعلومات الاستخبارية ذات الطبيعة الطبية مع العمل بصورة وثيقة مع الجهات المدنية الشريكة. وينبغي على مسؤولي الاستخبارات العسكرية إيلاء تركيز كبير على التدريبات والتمارين المعنية باستهداف الأوبئة المحددة والتعامل معها، مع زيادة القدرة على مراقبة الإحصاءات الصحية الدولية، وكذا برامج الحرب البيولوجية الأجنبية.
الاستفادة من العلاقات العسكرية التبادلية. تعمل قواتنا المسلحة بصورة روتينية مع أكثر من 100 دولة شريكة حول العالم، بما في ذلك التدريبات والمناورات السنوية من شاكلة مناورة «حافة المحيط الهادئ - ريمباك» في المحيط الهادئ، ومناورة «باناماكس» في أميركا اللاتينية. وتركز مثل هذه المناورات في الأساس على عمليات القتال الحربي، مع القليل من اعتبارات القوة الناعمة التي تيسر من مجريات التعاون المشترك بين البلدان. ومن خلال تكريس جزء من هذه المناورات الكبيرة لصالح الاستعدادات الطبية، يمكننا المساعدة في زيادة مستويات التعاون الدولي مع ظهور الوباء القادم. ومن شأن هذه التدريبات ألا تشتمل على الأطباء العسكريين فحسب، وإنما على الأطباء والممرضين من الهيئات المدنية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة «أطباء بلا حدود». ومن شأن ذلك تعزيز تبادل الأفكار الجيدة بين القطاعين العام والخاص.
إنشاء قيادة مكافحة الأوبئة. تُعنى القيادة الأميركية الشمالية، ومقرها في ولاية كولورادو، بمسؤولية الدفاع عن أميركا الشمالية، وتقديم الدعم للحكومات الفيدرالية، وحكومات الولايات، والحكومات المحلية. ولقد قمت بزيارة مقر القيادة الشمالية مرات عدة، وهي مزودة بأطقم من الموظفين المتخصصين والموهوبين. ولكن هناك العديد من المهام المتباينة - التي تتراوح بين الدفاع الجوي للولايات المتحدة وكندا إلى جهود الإغاثة من الكوارث الطبيعية وحتى دوريات القطب الشمالي الأميركية - في معرض التعامل مع الاستجابة للأوبئة بصورة مناسبة. ومن أجل المضي قدماً، ينبغي على وزارة الدفاع الأميركية إنشاء كيان مرؤوس قائم بذاته، ومُكلف العمل على مكافحة الأوبئة. ويمكن إسناد قيادته إلى جنرال طبيب من فئة ثلاث نجوم (ربما ممن قد انتهوا من الخدمة تحت منصب الجراح العام الأول)، مع تزويده بفريق موظفين من ذوي المواهب المعتبرة في المجال الطبي.
التدريب، والتدريب، ثم التدريب. تنفق وزارة الدفاع الأميركية مئات الملايين من الدولارات بصفة سنوية على التدريبات القتالية حول العالم، تماماً كما ينبغي، ولكنها تنفق القليل نسبياً من الأموال على التدرب في مكافحة ما وصفه الدكتور أنتوني فاوسي - أحد خبراء الرئيس ترمب في مكافحة وباء «كورونا» الراهن - بالحرب ضد «العدو غير المرئي». ومن أجل المضي قدماً، نحتاج إلى تنظيم تدريبات سنوية على مستوى الوزارة في البيئات العالية الإجهاد على النطاق العالمي من أجل اختبار استعداداتنا وتقييمها للاستجابة للوباء القادم.
وهذا يعني تقييم كل من كيفية مكافحة العدوى على مستوى الوحدات العسكرية - مثل انتشار وباء «كورونا» على متن حاملة الطائرات تيودور روزفلت - وكيفية إسناد السلطات المدنية على أوسع نطاق ممكن. كما يجب علينا كذلك تكليف القيادات القتالية الإحدى عشرة لدينا بتنفيذ التدريبات المهمة للأفراد (وليست مجرد جلسات المناقشات المطولة) مع اعتماد خطط الطوارئ المصوغة بصورة جيدة للاستجابة للوباء.
حشد الموارد للحرب القادمة. أخيراً، ينبغي التفكير في تطوير المعدات والمنصات العسكرية المختلفة، التي يمكن نشرها بسرعة كبيرة في مواجهة تفشي الوباء القادم. ومن بين أوجه القصور الواضحة في ذلك هو مخزون الولايات المتحدة الهزيل من معدات الحماية الشخصية الحيوية. فإننا في حاجة ماسة إلى مخزون وطني من المعدات واللوازم الطبية الحيوية، تماماً كما نملك مخزون «احتياطي الحرب» من الوقود والذخيرة. ويمكن تخزين المعدات واللوازم المشار إليها في القواعد العسكرية الآمنة، بما في ذلك تلك التي خرجت من الخدمة، وفق الجولة الأخيرة من استعراض «إعادة تنظيم وإغلاق القاعدة». وتملك القوات المسلحة خبرات جيدة للغاية في مجال إدارة المستودعات والمخازن، وسوف يكون ذلك من المنطلقات المنطقية التي ينبغي أن نبدأ بها.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»