حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الوباء بين الغرب والعرب؟

بمجرد أن ارتبك عدد من الدول الغربية في اتخاذ الإجراءات المناسبة مع فيروس كورونا، وشاعت نظرية «مناعة القطيع» أو «مناعة الجموع»، والأخيرة ترجمة تلائم بني يعرب، وحين تاه الغرب بين نظريتين: «نظرية مقاومة الفيروس بالعزل الجاد»، وبين نظرية ترى أن يأخذ الفيروس مجراه الطبيعي فيحصد عدداً من الضحايا حتى يبلغ ذروته ثم يتحدر الفيروس متراجعاً فيضمحل ويتلاشى، كما تلاشت فيروسات قديمة؛ شنَّ عدد من الإعلاميين والمثقفين العرب، في الإعلام التقليدي والجديد، هجوماً كاسحاً على عدد من حكومات الدول الغربية، واتهموها بأنها عديمة الإنسانية، وأنها سقطت سقوطاً مريعاً في اختبار مادة «الكورونا»، وأن عينها على المال والأعمال أكثر من حدبها وشفقتها على الإنسان.
عزز هذا الهجوم تقدم عدد من الدول العربية، ومن أبرزها السعودية، في إجراءات صحية وقائية وتوعوية مبكرة ومميزة، ساهمت في التقليل الشديد من انتشار الفيروس الخطير، مقارنة بدول غربية كبرى، كأميركا وإيطاليا وإسبانيا، تقافزت فيها أرقام الإصابات والوفيات تقافزاً مرعباً، ووصل الارتباك الغربي حد العجز عن توفير أبسط سبل الوقاية والرعاية مثل الكمامات وأدوات التنفس، مما أدى إلى اللجوء للقرصنة على مستوى الدول.
هذا الإخفاق أو الارتباك الغربي في التعامل مع أزمة كورونا صاحبه افتخار بعض العرب بالإجراءات الوقائية لدولهم، وهذا حق لا غبار عليه، بل هو المطلوب، فليس أشد عقوقاً للوطن من عديم الانتماء الذي يتجاهل إنجازات بلاده أو يقلل من شأنها، يتوارى من القوم مما أُخْبِر به أيمسكه على هون أم يدسه في تراب التجاهل، وفي الوقت ذاته ليس من لازم صدق الانتماء الوطني والابتهاج بإنجازات الوطن أن يشعل المبتهجون حرباً إعلامية شرسة على الآخر «الغربي» في ملف حقوق الإنسان، لأن «نكش» هذا الملف سيحمل الآخر في المقابل على نكش ملفات حقوق الإنسان في عالم عربي يتفشى فيه «كورونا الانتهاكات» (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم)، فكيف إذا كان الهجوم الكاسح على ملف حقوق الإنسان في العالم الغربي غير موضوعي، لأنه، وإن أصاب في نقد تعاملهم مع «الإنسان» في أزمة كورونا فللغرب مع (الإنسان في دولهم) إنجازات كبيرة يستحيل إنكارها، وقد قوَّست (الإنسان في دولهم) لأن للغرب ملفاً ضخماً كله عار وشنار مع الإنسان في دول العالم الثالث.
إن سقط الغرب في مادة كورونا (كوفيد 19) والإنسان، فقد نجح في مواد «إنسانية» عديدة يعرفها قاصي العالم ودانيه، من أين نبدأ في سردها وكيف ننتهي منه؟ خذ مثلاً ملف الأوبئة التي فتكت بـ«الإنسان» مثل: الجدري والسل والتيفوئيد والكوليرا والدرن، فالغرب الذي يقول بعض العرب إنه رسب في وباء كورونا هو الذي منح «الإنسان» بأبحاثه ومعامله واجتهاده وجلده، فرصة النجاة من موت محقق أو علل وتشوهات جسدية منهكة، ناهيك عن الاختراعات الطبية التي لا حصر لها ولا عد، حتى وإن أدرجنا هذه الجهود تحت بند «البزنس»، فخدمتها للإنسان لا تقدر بثمن.