مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

الصين والمصداقية

تأسس الحزب الشيوعي الصيني في يوليو (تموز) 1921، ويبلغ عدد أعضائه 80.269 مليون. قاد الحزب الشيوعي الشعب الصيني في نضالات شاقة مريرة وأسقط حكم الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية، وبعد تأسيس الجمهورية، قاد الحزب الشيوعي الشعب الصيني بقومياته إلى استقلال البلاد وأمنها، ليتحول المجتمع الصيني من المرحلة الديمقراطية الجديدة إلى المرحلة الاشتراكية والقيام بالبناء الاشتراكي المخطط على نطاق واسع وتدمج العلاقة بين ماركس وماو الشيوعيين بالصين، وتتصدر الاقتصاد العالمي الرأسمالي، وتتفوق في صراع العولمة، وتتمسك بآيديولوجيات القرن العشرين الماركسية.
وفي الموضوع نفسه نُشر لفيرنون سميث كتابات عديدة في الصحف الأكاديمية، عن الاقتصاد ونظرية الألعاب والمخاطرة، و«المقايضة وسلوك السوق»، ثم كتب عن أخلاقيات الرأسمالية وتناول الصين كمثال، قائلاً: «إن الصين لها خطوات عظيمة على طريق الحرية الاقتصادية، ومنذ ما يربو على عام، عدلت الصين من دستورها لتسمح لشعبها بامتلاك الممتلكات الخاصة وبيعها وشرائها»، ويقصد الكاتب منذ عام 2012 وهو تاريخ إصدار الكتاب، تساؤلاً واقعياً، لماذا؟ لأن إحدى المشكلات التي كانت تواجه حكومة الصين هي أن الناس يشترون الممتلكات ويبيعونها.
ورغم عدم اعتراف الحكومة بمثل هذه المعاملات، دعا ذلك المسؤولين المحليين إلى أخذ الرشاوى ممن يتاجرون بالمخالفة للقانون، وبالاعتراف بحقوق الملكية، حيث تحاول الحكومة المركزية أن تزيل مصدر الطاقة التي تدعم الفساد البيروقراطي المحلي، ويعدّ هذا التحول المؤسسي، كما رآه الكاتب، وسيلة عملية للحد من الفساد المستشري بالحكومة والتدخل السياسي في التنمية الاقتصادية.
لا شك أنه بعد تعميم الاقتصاد الرأسمالي يعتقد سميث أن الصين تغلبت على الشيوعية وظهرت معها النظريات والأدوات وسادت كل المجتمعات، وأن العولمة أزالت جميع الحواجز التي تفصل بين دول العالم، بحيث إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تدفقت وتحررت من التجارة العالمية، ورغم ذلك وصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الحزب الشيوعي الحاكم في الصين بأنه «التهديد الرئيسي في عصرنا» الذي يتحدى المبادئ الغربية، خلال لقاء مع نظيره البريطاني دومينيك راب في لندن.
أيضاً يأتي اعتبار بومبيو أن «الحزب الشيوعي الصيني يمثل التهديد الرئيسي في عصرنا» في ظلّ توتر بين لندن وواشنطن، وذلك بعدما سمحت السلطات البريطانية لشركة هواوي الصينية بالمشاركة في تطوير شبكة الجيل الخامس على أراضيها، وهذا يناقض كلام المؤلف عن الصين والعولمة والشيوعية.
وبينما يؤكد بومبيو من ناحيته أن الصين «اقتصاد هائل، يرتبط به الاقتصاد الأميركي بشكل وثيق، وهذه فرصة هائلة لنا للعمل معاً»، إلا أنه يضيف أن «النظام الشيوعي الصيني في ظل حكم الرئيس شي جينبينغ لديه أهداف لا تتوافق مع القيم الغربية»، واتهم الحكومة الصينية بأنها «حكومة معادية» للولايات المتحدة و«لديها رؤية سلطوية جديدة».
فهل السياسة تكذب أهل الاختصاص الاقتصادي؟ أم هي حلقات متصلة كل منها يتصل بالحلقة الأخرى؟ فالصين تسير مع العالم بانفتاح كبير تجارياً، لكنها ما زالت على نفس نمط الحكم الشيوعي بطريقة سرية، بمعنى أن الصين منفتحة تجارياً منغلقة سياسياً، وجائحة «كورونا» كشفت بعض تلك الرموز باحتوائهم للفيروس وكيف أعلنت الصين نجاحها في احتوائه، إذ لم تعد الأرقام الرسمية تظهر بأي إصابات جديدة محلية في ووهان البؤرة، التي كانت تسجل آلاف الإصابات الجديدة يومياً في ذروة الأزمة، وبات العدد بين عشية وضحاها صفراً، فأين الحقيقة؟
إن العالم بقدر ما يرى الصين مهمة اقتصادياً، ما زالت بعيدة سياسياً عن القرن الحالي وأيضاً بعيدة عن الشفافية المطلوبة، ونقلت معظم المنابر الإعلامية، الانتقادات الغربية الواسعة ضد الحكومة الصينية التي سعت في بداية ظهور الوباء إلى التستر على الوقائع وطمسها. واستشهدت بعض المواقع بوفاة الطبيب لي وين ليانغ الذي حذر مبكراً من تفشي الفيروس المستجد، لكن السلطات أجبرته على التوقف عن نشر «الإشاعات». وانتقد الموقع الرقابة المفروضة على المنشورات والتقارير النقدية في مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، ما يُلقي ظلالاً من الشكوك بشأن مصداقية الأرقام والبيانات الرسمية التي تعلن عنها الحكومة الصينية. فهل حان وقت عزل الصين كما يقال عنا؟