حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

نظرية المقامرة!

َفي عصر النهضة الثري، الذي كان مركزه إيطاليا، صعدت أسرة بسيطة جداً إلى قمة المال والأعمال في مدينة فلورنسا، لينتشر نفوذها إلى سائر إيطاليا، وبعدها إلى جميع أنحاء القارة الأوروبية. لقد كانوا وقتها القوة الأكثر تأثيراً في رعاية النهضة نفسها، وأهم رموزها الفنية، مثل ليوناردو دافنشي ومايكل أنغلو ودوناتيلو، بالإضافة إلى علماء بارزين، مثل غاليليو وبيكو ديلاميرندولا، واثنين من باباوات روما على رأس الكنيسة الكاثوليكية، كانا من الأسرة نفسها، بالإضافة إلى كاثرين التي أصبحت ملكة لفرنسا، ولعبت دوراً كبيراً في سياستها في ثلاث حقب من الحكم المضطرب. إنها عائلة ميديتشي الأشهر التي أصبحت المثال الذي يُقاس به تأثير المال على السياسة.
بعد ذلك لسنوات طويلة عائلة روتشايلد في كل من فرنسا وإنجلترا وألمانيا، التي كانت لا تزال تعمل في مجال التمويل، وحيكت حولها كثير جداً من القصص والأساطير؛ عن «قوتهم» و«سيطرتهم» على عوالم المال والسياسة.
ثم جاءت الحقبة الأميركية لتشهد الصعود والتأثير الكبير لعائلات مهمة، مثل فاندربيلت ومليون وكارنيغي ومورغان وروكفلر، الذين صعد نفوذهم بشكل متعاظم حتى «فتتهم» إلى شركات صغيرة الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت تحت ذريعة الاحتكار. ولكن لا يخفى على أي مؤرخ عادل ومنصف أن روزفلت كديمقراطي حذر كان يخشى من هيمنة القرار المالي على السلطة التنفيذية السياسية، وهي المسألة ذاتها التي لجأ إليها القائد العسكري الأميركي الجنرال دوغلاس ماكارثر، الذي كان مسؤولاً عن العمليات العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية، وقام بالإكراه بتفتيت الشركات اليابانية الكبرى التي كانت تُعرف بـ«السوجاشوشا» إلى شركات أصغر، وذلك بعد استسلام اليابان، لأنه كان يخشى من خطورة نفوذ المال القوي في أن يؤثر على عودة اليابان قوية سياسياً وعسكرياً من جديد.
ثم مضت السنوات، ووصلنا إلى روبرت مردوخ، رجل الأعمال والإعلام الأسترالي والحاصل لاحقاً على الجنسية الأميركية، وهو المالك لمحطات «فوكس نيوز» و«سكاي» و«ستار تي في»، وصحف «الصن» و«التايمز» و«وول ستريت جورنال» وغيرها الكثير، وهو الذي يتهمونه بالإسهام في تكوين عنصرية سياسية يمينية متطرفة وعنيفة.
بعد أن كان الإعلام تقليدياً يُعرف بالليبرالية واليسارية تحول مع مجموعة مردوخ إلى منابر ساهمت في وصول جورج بوش الابن والمحافظين الجدد إلى الحكم، وفي إيجاد القبول الشعبوي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وطبعاً صعود التيارات اليمينية الانفصالية في أكثر من بلد أوروبي، وأخيراً وصول دونالد ترمب واليمين إلى البيت الأبيض.
وفي ظل أزمة «كورونا» الحالية، يتداول المتابعون تصريحاً لرجل الأعمال المعروف جورج سوروس في 23 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي يهدد فيه أميركا بخراب وانهيار اقتصادي عظيم لم يُعرَف مثله من قبل، وذلك قبل انتخابات الرئاسة الأميركية هذه السنة. ولجورج سوروس ساعة تاريخية في تأثيره عملياً على الاقتصاد العالمي، فله مغامرة مشهورة مع الجنيه الإسترليني، وأجبر العالم وقتها على الانصياع لرأيه في قيمة الإسترليني. وبمضاربته الشهيرة في العملة أسقط اقتصاديات النمور الآسيوية الناشئة في ذروة صعودها عام 1997.
ليس من المنطقي لوم جورج سوروس على ما يحصل اليوم، إلا أنه لا يمكن إنكار وجود قوى مؤثرة ترغب في رسم صورة معينة لأجواء قادت للاستفادة القصوى منها وقت حدوثها، وهي قد لا تكون تحديداً نظرية المؤامرة، ولكنها أقرب إلى نظرية المقامرة.