مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

أين التفاؤل الحذر؟

من أصعب المهام أمام الصحافي الذي يغطي مؤتمرا دوليا أو اجتماعا سياسيا مفصليا يعتمد على التفاوض، أن يكتب قصة للقارئ تضع تطلعات حول فرص نجاح ذلك الحدث. وعادة ما يعتمد الصحافي على استطلاع آراء الدبلوماسيين المشاركين في المؤتمر أو المفاوضات حول إمكانية نجاح تلك الجهود وبلورة تصور حول الخطوات المقبلة.
وعبر السنوات، اعتدت على سماع عبارة "التفاؤل الحذر" من الدبلوماسيين قبل بدء أية عملية تفاوض شاقة، اذا كانت المفاوضات المعقدة على تشكيل الحكومة العراقية التي استغرقت اكثر من 9 أشهر لتشكيلها عام 2010، أو النقاشات المتعثرة الى حين التوصل الى اتفاق مبدئي حول الملف النووي الإيراني، أو حتى بدء المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. و"التفاؤل الحذر" يعني امكانية رؤية بصيص أمل يدعو الى التفاؤل مع الإبقاء على الحذر في التعامل مع هذا البصيص من الأمل، والتشديد على الحذر من حيث الحرص على عدم الاستعجال في إبداء تفاؤل قد يستبق الاحداث.
وعند الوصول الى بلدة مونترو السويسرية عصر الثلاثاء، استعدادا لاجتماعات "جنيف 2" لبدء عملية التفاوض بين النظام السوري والمعارضة برعاية الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الدائرة منذ قرابة ثلاث سنوات، استطلعت آراء دبلوماسيين عرب وغربيين، متوقعة عبارة "تفاؤل حذر" في إمكانية نجاح المفاوضات بعد عشرين شهرا من الجهود الدولية لبدء العملية. ولكن لم يطرح أي من الأطراف المتعددة التي حدثتها تلك العبارة، بل كانت هناك عبارات مثل "هذه بداية فقط" و"ممكن الانهيار في أية لحظة" والعبارة الأكثر رواجا "الأمر في غاية الصعوبة".
فلا يوجد تفاؤل هنا على ضفاف بحيرة ليمان (المعروفة ببحيرة جنيف)، ليس فقط بسبب حجم المأساة التي لحقت بالشعب السوري، بل أيضا لعدم وجود توافق مبدئي على عملية الانتقال السياسي بين الأطراف المدعوة للمؤتمر. وهذا لا يعني وفدي الحكومة والمعارضة السوريين فقط، فمن المنطقي ان هناك فجوة شاسعة بين الطرفين والهدف من المفاوضات ردمها، بل هناك عدم وجود توافق أساسي بين الأطراف المشاركة الدولية على الآلية الممكنة لإحداث الانتقال السياسي في البلاد. والأهم من ذلك، من الصعب الشعور بأية بادرة تفاؤل بينما القتال يستمر بشراسة ووحشية في أرجاء سوريا، وعمليات التجويع والتهجير لم تعلق، ولا توجد ضغوط دولية جدية بهذا الهدف. وبينما الحل السياسي، من خلال الحوار، هو الوحيد لوقف الحرب، فأصوات البنادق والمدافع ومشاهد القتل والترويع ما زالت تسيطر على المشهد السوري. والدبلوماسيون المشاركون في الحوار لم يعطوا مؤشرات على ان المفاوضات ستغير من هذا المشهد في المستقبل المنظور، بينما كل يوم يقتل الأبرياء وتحطم العائلات وتتفاقم خسائر سوريا والمنطقة.. ولكن إذا بدأت العملية ولم تنهار، ربما يمكن التمسك بـ"الحذر في الأمل".