د. خالد منزلاوي
الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية بجامعة الدول العربية
TT

السعودية... سعي متواصل لتمكين المرأة

أصبح التركيز على تمكين المرأة من المشاركة الفاعلة في المجتمع من أهم أولويات الأمم المتحدة، كونه من المسائل المهمة التي تتطلب تكثيف الجهود الدولية، لعدة أسباب: أهمها معالجة أوجه القصور في تمكينها، والاعتراف بأنها عنصر مهم لبناء مجتمع متكامل متجانس، وما في ذلك من إسهام في تفعيل الديناميكية الاقتصادية.
ويعتبر كل هذا مؤشراً على إعلاء قيم المساواة الاجتماعية، وبالتالي أحد سبل النهوض بالمجتمعات وتحسين صورتها ورفع مستوى نموها وتنافسيتها.
ولتحقيق هذا التمكين لا بد من وضع استراتيجيات ومبادرات والعمل الدؤوب على تطبيقها، وتدعم ذلك الاستفادة من التجارب الدولية، لكونها من أهم التحديات على أجندة الأمم المتحدة للتغلب على العقبات التي تواجه المرأة وتحول دون حضورها الفعّال في المجتمع.
ولكون المملكة العربية السعودية جزءاً من المجموعة الدولية، وإدراكاً لأهمية موضوع تمكين المرأة كموضوع داخلي، له أبعاد دولية، من أجل تفعيل تمكين المرأة السعودية وتعزيز تكافؤ الفرص أمامها، فقد كانت الإصلاحات التشريعية في الأنظمة واللوائح المرتبطة بالمرأة، وفق برامج «رؤية المملكة 2030» أفضل وسيلة لدعم المرأة على أرض الواقع، وإشراكها بفاعلية في بناء المجتمع، وتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية، من أجل رفع القدرة التنافسية للمملكة إقليمياً وعالمياً.
وكما هو معروف، فقد تضمنت «رؤية المملكة 2030» عدداً من الأهداف العامة لدعم المرأة وتمكينها؛ حيث زادت نسبة النساء في القوى العاملة، ما انعكس إيجاباً على التقارير الدولية للمملكة، بما يتواءم مع معايير الأمم المتحدة في تمكين المرأة ومساواتها في فرص التعليم والرعاية الصحية والعمل اللائق، وتمكينها في الوظائف القيادية، مع الأخذ في الاعتبار الخصوصية الثقافية للمجتمع. وتحقيق ذلك سيساعد في تحقيق أهداف الرؤية وإنجاحها.
ومن الملاحظ في الفترة الماضية، استحداث وتعديل بعض الأنظمة التشريعية، ما أعطى المرأة عهداً جديداً من الحقوق، لتصبح شريكة رئيسية في عملية البناء والتنمية المستدامة، لتساهم في الارتقاء بها في المراتب القيادية، وفي صنع القرار، ولشغل مناصب سياسية واقتصادية، في خطوة حقيقية لتمكين المرأة السعودية ودعم وإتاحة الفرص لها، لجعلها شريكاً حقيقياً فاعلاً في بناء الوطن والتنمية.
وواكبت ذلك جهود للمملكة في مجال المرأة على المستوى الدولي، إذ نجحت في الانضمام عام 2018 للجنة وضع المرأة، التابعة للأمم المتحدة، وهي الهيئة الأساسية الرئيسية المخصصة لصنع السياسة العالمية، فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين والنهوض بالمرأة. كما تم انتخاب المملكة عام 2019 في المجلس التنفيذي لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
وهاتان العضويتان في الأجهزة الأممية المعنية بالمرأة هما إشارة وتقدير من دول العالم لما هو حاصل من تطورات في حقوق المرأة، وتحقيق لأهداف التنمية المستدامة، وبالأخص الهدف المعني بالمساواة بين الجنسين، والمتعلق بالقضاء على أشكال التمييز كافة ضد النساء، وخاصة المتعلقة بالأجور والفرص الاقتصادية.
وعضوية المملكة في الهيئات الدولية المعنية بالمرأة، ستعطي المملكة مكانة للمشاركة الأساسية مع المجتمع الدولي في تعزيز حقوق المرأة عالمياً، وفي تشكيل المعايير العالمية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، بما يخدم أهداف التنمية المستدامة، وبالاعتماد على مجموعة من المبادئ التي تقدم إرشادات بشأن تمكين المرأة في المجتمع.
وانعكاساً للتطورات والإصلاحات التي تحقَّقت في المملكة، فقد حصلت على مركز متقدم في تقرير «المرأة - أنشطة الأعمال والقانون 2020» الصادر عن مجموعة البنك الدولي، حيث صنفت بالدولة الأكثر تقدماً وإصلاحاً في تمكين المرأة وحقوقها من بين «190» دولة حول العالم.
نعم، ما زال أمام المرأة على مستوى العالم في سوق العمل شوط طويل لبلوغ المساواة مع الرجل، وبما أن المملكة جزء من العالم، فقد أدركت أنه يتعيَّن عليها فعل المزيد لمعالجة ذلك، من خلال وضع سياسات مصممة خصيصاً للمرأة السعودية، مع مراعاة المطالب غير المتكافئة التي تواجهها في الأسرة ومسؤوليات الرعاية، فقد تضمنت «رؤية المملكة 2030» استراتيجية تستهدف إلى رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل بنسبة 30 في المائة، عبر دعم إمكاناتها وتطوير قدراتها وصقل مواهبها للوصول إلى هذا النسبة، والاستفادة من التجارب الدولية وبرامج دعم القدرات الأممية، أخذاً في الحسبان الآثار الإيجابية لتمكين المرأة اقتصادياً وما في ذلك من رفع للناتج القومي الإجمالي.
ومن أجل طموح لا يتوقف، ستواصل المملكة العربية السعودية العملَ الجادَّ لاتخاذ خطوة مهمة في إبراز جهودها المتعلقة بتمكين المرأة وجعلها أولوية، والعمل على رفع نسبة مشاركة المرأة في العمل، لتكون عنصراً فعالاً لبناء المجتمع والدفع بعجلة التنمية فيه. وهو الأمر الذي يتوافق ذلك مع أحد أهم الأهداف لمجموعة العشرين، في مبادرة الدعم والتمكين الاقتصادي للمرأة، والتي ستستضيفها المملكة في نوفمبر (تشرين الثاني) هذا العام.