امتلأت مقاعد مسرح «بالاديوم» الشهير في حي «وست إند» بلندن بجمهور من مختلف الأعمار متحمس ومتعطش لسماع أغاني «الست» أم كلثوم في المسرحية الغنائية «أم كلثوم والعصر الذهبي». قبل الدخول للقاعة دارت أحاديث كثيرة باللغة العربية، عبر أكثر من شخص بفرحتهم بهذا الاجتماع العربي وبسماع الكلمات العربية تتناثر مع التحيات والسلامات. بدأ العرض مع فرقة موسيقية صغيرة على المسرح يقودها لؤي الحناوي، الموسيقي السوري، ببراعة وتفان. سرت ألحان أغنية «إنت عمري» لتتعالى آهات الجمهور وحين انطلقت المغنية لبانا القنطار وهي متقمصة شخصية أم كلثوم، بدا وكأن حالة من النشوة والطرب تسري بين الجمهور.
العرض امتد لأكثر من ساعتين، يروي قصة حياة «كوكب الشرق» منذ صباها في قريتها «طماي الزهايرة» وحتى وفاتها من خلال عرض تمثيلي خفيف قام به ممثلون شباب في أغلبهم، ورغم المجهود الواضح في الأداء ظلت هناك ثغرات في التمثيل وحتى في التسلسل الزمني ما بين حياة أم كلثوم وتوقيت أغنياتها، ولكن كان ذلك كله يختفي بمجرد وقوف القنطار بشموخ لتؤدي مقطعا من إحدى أغنيات أم كلثوم. القنطار تقمصت ببراعة دور أم كلثوم في قمة نضجها ونجحت الملابس وتسريحة الشعر، إضافة إلى التقمص المتقن لحركات اليدين والرأس والمنديل كلها لتمنح الجمهور المتعطش لمحات من زمن ذهبي لم يعشه أغلبه، حين كانت حفلات أم كلثوم في الخميس الأول من كل شهر موعدا ثابتا للطرب الراقي. أعادنا أحد أفراد الجمهور بقوة لواحدة من تلك الحفلات التي رأيناها مرارا على شاشة التلفزيون، إذ صرخ بأعلى صوته «عظمة على عظمة يا ست»، وهو ما كان محبو أم كلثوم يهتفون به في حفلاتها.
مع ظهور المبدعة صوتا وأداء سناء نبيل حفيدة شقيقة أم كلثوم، اكتمل المشهد الطربي، وتحولت المسرحية إلى حفل شامل لأجمل أغاني أم كلثوم، ما إن بدأت المغنية حتى انطلق الجمهور في الغناء معها، مرافقين لها في كلمة كلمة وكل آه، كل ذلك مصحوبا بالتصفيق المتناغم مع الموسيقى.
أين يمكن أن تجد مثل هذا الجو؟ يقول أحد الأشخاص الأجانب ممن حضروا العرض إن تفاعل الجمهور مع الغناء لا شبيه له في المسرحيات الموسيقية الغربية، فربما يطرب الجمهور لأغنية معينة ويشارك مع المغنين في أدائها ولكن أن تصبح كل أغنية على المسرح مجالا للأداء المشترك بين الجمهور والمغنيين فهذا «أمر لا يحدث أبدا». أجدني أوافقه الرأي، فالشوق لأغنيات «الست» غلب الحاضرين، رغم أنها موجودة دائما وأغنياتها حاضرة في كل وسائل الإعلام، ولكن الفرق هنا هو اختيار الفرقة الموسيقية الماهرة وقائد الأوركسترا المبدع وأيضا الأصوات التي صدحت بأجمل ما كتب الشعراء لأم كلثوم. كانت الليلة «بألف ليلة وليلة»، وكأنما حضرت أم كلثوم إلى لندن لتغني لهذا الجمهور من العرب في الأغلب، الذي تربى وعاش على أغانيها وصدق بالصوت والتصفيق على أن الغناء الجميل يظل جميلا حتى بعد مرور العقود. وبدا وكأن ما حلمت به منتجة العرض منى خاشقجي حين قالت إنها أرادت أن تحضر أم كلثوم لحي «وست إند»، قد تحقق في ليلة خفق فيها قلب المسرح اللندني بحب أحمد رامي لأم كلثوم.
9:17 دقيقه
TT
عظمة على عظمة يا ست!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة