مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

انقسامات الفلسطينيين تُضيع حقوقهم

أثارت خطة ترمب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ردود فعل دولية عديدة كان أغلبها يدعم مبدأ المفاوضات، ولا يزكّي ما ورد فيها، ولكن يبقى رفض السلطة الفلسطينية هو الأهم لأنها تمثل الطرف الأول المعنيّ بهذه الخطة. بينما نتنياهو رئيس وزراء ما تسمى دولة إسرائيل، إلى جانب ترمب، وهو يعلن خطته المزعومة وهو مبتسم لأنه حقق أهم هدف يسعى له كإسرائيلي يهودي متطرف، وهو من دفن القضية الفلسطينية وابتلعها إلى الأبد.
فالخطة ليست سوى إنهاء لكل الوعود والقرارات الدولية بحل يعطي الفلسطينيين دولة حقيقية وليس كانتوناً للعيش، فاتفاق أوسلو الموقّع بين الطرفين قبل أكثر من 27 عاماً أعطى الفلسطينيين 22% من مساحة فلسطين، أي نحو 6 آلاف كيلومتر مربع، لكن لترمب رأي آخر؛ فلم يكتفِ بابتلاع القدس بل أخذ 40% مما أُعطي للفلسطينيين في أوسلو، أي الشعب الفلسطيني كله سيعيش ومن يريد العودة على أرض مساحتها 3700 كيلومتر مربع، وستكون منزوعة السيادة جواً وبراً، ولا تربطها بأي دولة حدود برية، أي سجن حقيقي بهدف قضم هذه الأرض مستقبلاً والتضييق على شعبها للهجرة.
لكن ما الذي أوصل الحال إلى هذا الوضع؟ إنه ببساطة انقسام الفلسطينيين، فهم من جعل أميركا وإسرائيل تستهينان بهم وتجحف حقوقهم، فـ«حماس» دمّرت تماسك المجتمع الفلسطيني وفتَّتَتْه، وأصبحت تابعة لإيران التي تريد أخذ حصة في إدارة المنطقة على حساب العرب، وقضية فلسطين تريدها تسويقاً لنفسها في مجتمعنا ومنطقتنا، و«حماس» وبعض الفصائل التابعة لإيران تنفذ لها ما تريد، وهو ما يعني الخروج عن الصف الفلسطيني وعدم التركيز على مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
اليوم ما يعيشه الفلسطينيون سببه الانقسام الداخلي، وهو ما تدعمه إسرائيل وتباركه أميركا وتنفذه إيران وحلفاؤها الإخوان المسلمون، وبدعم تركي وتمويل قطري، فجميعهم يخدم إسرائيل لأجل المؤامرة الكبرى بمزيد من الضعف لعالمنا العربي، ونهب ثرواته.
إن أول عدو للفلسطينيين هو فُرقتهم، ولذلك يجب ألا يستغرب أي فلسطيني أو عربي من وصول الحال لمثل هذه الخطة المقترحة، لأنها نتيجة لسوء إدارة القضية والخصام الفلسطيني الفلسطيني، وهذا ما يظهر من سنوات طويلة منذ أُسست «حماس» في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. والواقع أن «حماس» لم تحترم حتى اتفاقها مع السلطة الوطنية الفلسطينية بجانب الكعبة المشرفة، وتلاعبت بمواقفها وانتهت في يد إيران ومخططاتها.
في ظل طرح الحلول والخيارات التي أعلنت الإدارة الأميركية عنها بخطة السلام، لتسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، كانت ردود الأفعال متباينة، لكنّ الأسرة الدولية ممثلةً في الأمم المتحدة قال متحدثها في بيان تلاه بعد إعلان الولايات المتحدة عن خطتها للسلام في الشرق الأوسط، إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش يتعهد بمساعدة إسرائيل والفلسطينيين على التوصل إلى سلام قائم على قرارات المنظمة الدولية والقانون الدولي، والاتفاقات الثنائية ورؤية الدولتين بناءً على حدود ما قبل 1967. كما أدانت الجامعة العربية خطة السلام ورأت فيها إجحافاً للفلسطينيين.
من الطبيعي لهذه الخطة أن تكون قد تسببت في قدر كبير من الرفض والجدل والقلق في فلسطين، خصوصاً بين السلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى مثل «حماس» و«فتح»، حيث سبق أن طرح الرئيس محمود عباس في عام 2016 مقترحاً بتشكيل قائمة واحدة لكل الفصائل لخوض الانتخابات، ولكن لم يتحقق له ذلك، واستمر في ظل مراحل معقدة وعلاقات مزدوجة تسلك طرقات وعرة وتنتج قرارات مشوشة.
السؤال الذي أصبح يطرح نفسه هو: إذا وُضع حدٌ لهذا الانقسام داخل السلطة الفلسطينية، مع ما في الأمر من مفارقة وخطوط متقطعة، هل يأتي في الأهمية قوة السلطة التشريعية بقيادة الرئيس محمود عباس، وتنجح في غمرة هذه التطورات التي جرى الكشف عنها مؤخراً في رفض الاعتراف أو القبول بما جاء في مضمون سياسة ترمب ككل، فقد جعل القدس عاصمة لإسرائيل وأسقط البحث عن اللاجئين وقطع المساعدات عن «أونروا»، وبذلك حُكم على فحوى الخطة من خلال المعطيات السابقة؟ وعدّوه إقراراً لما يؤخذ بالقوة من غير وجه حق، وما إذا كان ممكناً فإن أشكال السيادة للاحتلال كانت مجزأة ومعقدة جداً وأكثر اهتماماً بشرعنة وجوده مقابل فرض القبول بالصفقة.
في حال التزم الطرف الآخر المحتل على أن يكون التوصل إلى القرارات بالاتفاق، ويتضح هنا أن فض المنازعات سيكون خاضعاً لتوافق الطرفين فقط، وبحسب ما يجري على مدى أربعين عاماً بأن إسرائيل كانت مصممة على تدمير فلسطين، حتى بعد التوصل إلى حل الدولتين الذي أطلقه الرئيس جورج بوش بخريطة الطريق، وتبنته اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، والتي كان من المفترض أن تضطلع بمهمة الإشراف على تنفيذه، ولكنها سقطت بمعول شارون وتحفظه على الخريطة وشروطها.
وبالمناسبة فإن خطة حزب الليكود الحاكم بزعامة بنيامين نتنياهو التي جرى وضعها عام 1999، ترفض بكل وضوح إنشاء دولة عربية فلسطينية، وكان كل رئيس أميركي منتخب يحمل معه خطة جديدة للحل وتأسيس علاقة مع الطرفين لكنها في النهاية تنحاز لإسرائيل، فيما كانت وما زالت قوات الاحتلال تنتهك الأراضي الفلسطينية وتهدم بيوت الفلسطينيين، وتضيّق عليهم، وتجرف أراضيهم.