د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

هل ماتت «الخريطة الذهنية»؟

راسلت قبل أيام مبتكر الخريطة الذهنية البريطاني توني بوزان عبر المراسلات الخاصة في «تويتر» لعمل مشروع مشترك معه. لكنه تأخر في الرد على غير عادته، وإذ برسالة من حفيده تخبرني بنبأ وفاته! ذهلت مما قرأته، فما أصعب أن تتواصل مع شخص عبر الهاتف ثم تكتشف أنه قد فارق الحياة.
عادت بي الذاكرة، إلى لقائي المطول معه حينما قال لي: محمد، الخريطة الذهنية لن تموت لأنها تقوم على فكرة الجمع بين الخيال (imagination) مع الروابط ذات الصلة (association)، وهي الطريقة التي يفكر بها كل المبدعين في العالم كمخترع المصباح والهاتف والتلفزيون الذين تمكنوا من تحويل أفكارهم إلى رسومات مبسطة سرعان ما ولدت اختراعات يشار إليها بالبنان.
وقد أخبرني بوزان بسعادته الغامرة، وهو يبحث في الإنترنت ليجد أن هناك أكثر من 500 مليون كلمة في محرك البحث «غوغل» تشير إلى ابتكاره الذي قال إنه بدأ يحدث نقلة كبيرة في التعليم، وهذا سبب تركيزه على الأطفال في سنواته الأخيرة قبل وفاته. وقال إنه جاب دول الخليج ودولاً عربية عدة، ورأى كيف تستخدم خريطته في بيئات الأعمال والمدارس.
سر فكرة الخريطة الذهنية يكمن في بساطتها، وأنها تخاطب طريقة تفكير العقل. فحينما تقول أو ترد إلى ذهنك كلمة «سعادة» ينفتح ملف تلقائي يذكرك في أمور كثيرة مرتبطة بالسعادة كموقف أو مشروع أو مشهد كوميدي. وكذلك الحال حينما تقول كلمة «سويسرا» تتفرع في أذهاننا خلايا (معلومات) نعرفها عن هذا البلد كالبنوك، والأمان، والكاكاو الفاخر، والساعات العالمية وغيرها. هذه هي الطريقة التي يفكر بها الدماغ عن طريق خلاياه.
وكذلك الحال حينما نسمع مديراً أو محاضراً يحذر من «مغبة سلوك معين»، هنا يمكن كتابة هذا السلوك في الدائرة الوسطى، ثم نفرع منها خطوطاً مائلة فيها رؤوس أقلام أو بالأحرى كلمة واحدة رئيسية، ما إن نراها حتى نتذكر الموضوع نفسه. وهي الطريقة نفسها التي أكتب بها مقالاتها بحيث أدون عادة في منتصف الدائرة الوسطى الفكرة الرئيسية أو عنوان المقال، ثم يتفرع منها أغصان تحمل أفكاراً فرعية.
قوة الخريطة الذهنية تكمن في بساطتها، وأن مبتكرها قدم للبشرية عملًا خالداً من أدوات التفكير العقلي المنظم. ولحسن الحظ فقد رأيتها بنفسي في شتى البلدان وفي مناهج التعليم العام في دولة الكويت، وهو دليل على أن المشاريع الذكية لا تموت.