روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

العلاقات الأميركية ـ التركية أمام نفق مظلم

لم أكن أتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بفعل أي شيء لمساعدة إدلب في نضالها ضد الهجوم السوري والروسي الشديد، لكن في الصيف الماضي اعتقدت أن تركيا قد تقوم بالرد. لكن أنقرة، في الواقع، لم تتخذ أي إجراءات ملموسة حيال الأمر، ذلك على الرغم من حصار بعض جنودها في نقطة للمراقبة في منطقة مورك جنوب غربي إدلب. لكن علينا أن نكون واقعيين، فلا يمكن لأنقرة وحدها أن تنقذ إدلب، ذلك في الوقت الذي تستغل فيه موسكو ودمشق عزلة تركيا.
جدير بالذكر أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن اليوم في أسوأ حالاتها منذ 35 عاماً منذ أن عملت في تركيا في وظيفتي الدبلوماسية الأولى، حيث وقَّع الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب، الأسبوع الماضي، على تشريع الكونغرس للميزانية السنوية لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ويوقف القانون الخاص بميزانية الدفاع الجديدة تسليم المقاتلات من طراز «إف - 35» لتركيا، كما يوقف مشاركة الشركات التركية في إنتاج المقاتلات من هذا الطراز، ويعد منع الشركات التركية من المشاركة في الإنتاج بمثابة ضربة كبيرة لجهود أنقرة لبناء صناعة دفاعية حديثة.
كما نجحت أنقرة في مهمة سياسية مستحيلة في واشنطن، وهو توحيد الديمقراطيين والجمهوريين ضدها، حيث صوَّت الحزبان معاً في الكونغرس للاعتراف بأن تركيا ارتكبت فعلاً من أعمال الإبادة الجماعية ضد الأرمن في 1915، وقد أراد أنصار الأرمن هذا القرار من الكونغرس على مدى عقود. لكن جماعات الضغط من أجل تركيا كانت تقاوم الأمر، وفي الثمانينات والتسعينات، ساعد الجيش الأميركي تركيا على وقف تبني مشروع هذا القانون في الكونغرس ضدها. الآن، الجيش الأميركي مثل الكونغرس غاضب مما يحدث في شمال شرقي سوريا، وكذلك بسبب صفقة الصواريخ الروسية «إس - 400»، وفي ظل عدم وجود أي مساعدة من أي جهة لجهود السفير التركي في واشنطن، فقد صدر قرار ارتكاب أنقرة للإبادة الجماعية بحق الأرمن بأغلبية كبيرة.
ويبدو أن الأزمة الحاصلة في العلاقات الثنائية ليست موجودة داخل العاصمتين فقط، ففي الأسبوع الماضي، نشرت منظمة «بيو» الأميركية نتائج الاستطلاع الجديد الذي أجرته للرأي العام التركي، ووفقاً للاستطلاع، فقد رأى 2% فقط من الأتراك أن الولايات المتحدة هي أفضل حليف لتركيا، فيما رأى 46% منهم أن الولايات المتحدة هي أكبر تهديد لأنقرة، وفي الوقت نفسه، رأى 6% فقط من الأتراك الذين شملهم الاستطلاع أن روسيا هي أكبر تهديد لتركيا، فيما أظهر استطلاع تم إجراؤه للرأي العام في الولايات المتحدة، من «بيو»، الشهر الماضي، أن 26% فقط من الأميركيين يرون أن تركيا حليفة أو صديقة، ولكن 44% منهم يعدّونها عدواً أو غير صديقة، فهل هذه النتائج تتناسب مع كونهما دولتين حليفتين في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟
وقد زرت أنقرة في وقت سابق من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ورأيت بعض الآمال في إمكانية بدء تحسن العلاقات الثنائية. صحيح أن الرئيس ترمب يواجه العديد من المشكلات السياسية الداخلية في واشنطن، لكنه يريد منع وقوع المزيد من الضرر للعلاقات مع تركيا، بالإضافة إلى ذلك، فقد قام ترمب بسحب الجنود الأميركيين من المدن الكردية السورية، والآن تتمركز القوات الأميركية حول بعض حقول النفط السورية جنوب المنطقة الكردية السورية، لكن تفاؤلي بشأن العلاقة الاستراتيجية بين أنقرة وواشنطن لم يدم لفترة طويلة وذلك بعد أن علمت بالعقوبات الأميركية المحتملة الجديدة، حيث يدعو قانون ميزانية الدفاع ترمب إلى فرض عقوبات إضافية على تركيا بسبب صفقة الصواريخ الروسية «إس – 400»، وبالإضافة إلى ذلك، فهناك مشروع قانون جديد للكونغرس يفرض حظراً على بيع الأسلحة على تركيا، بما في ذلك إمكانية فرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي قد تبيع الأسلحة لأنقرة، كما يهدف الكونغرس أيضاً إلى فرض عقوبات على المسؤولين الأتراك بالإضافة إلى مطالبة وزارة الخارجية الأميركية بنشر تقرير عن الوضع المالي لعائلة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وقد حذر إردوغان من أن تركيا ستنتقم من خلال فرض عقوباتها الخاصة، وأنها ربما تقوم بإخراج الجيش الأميركي من قاعدتها في إنغرليك، لكن الأميركيين يعتقدون أنهم يستطيعون نشر طائرات عسكرية في قواعد في دول التحالف الأخرى.
ويوصي المحلل الأميركي آرون شتاين، بأن يفرض ترمب عقوبات مالية صغيرة على تركيا الآن من أجل إرضاء الكونغرس قبل أن يفرض الأخير عقوبات أكبر في وقت لاحق، ومن المهم أن ندرك أن ترمب لا يمكنه خوض حرب سياسية داخلية بسبب العلاقات التركية وذلك في الوقت الذي يحتاج فيه إلى دعم الحزب الجمهوري الذي يريد معاقبة أنقرة.
ومن المتوقع أن يؤدي تدخل تركيا الأخير في ليبيا إلى جعل مشكلتها مع واشنطن أكثر صعوبة، حيث تدعم الولايات المتحدة جهود قبرص واليونان وإسرائيل ومصر لإنشاء شبكة للغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، بينما استجابت تركيا من خلال عقد اتفاق مع الحكومة الليبية في طرابلس لتأكيد مزاعمها بشأن الحدود البحرية، وذلك لمنع إنشاء حقول الغاز وخطوط الأنابيب بالقرب من قبرص. ويمكننا أن نشعر بالشفقة على محاولات السفير التركي إقناع الكونغرس بالحياد في نزاع الغاز الطبيعي، ذلك لأنه يحاول منافسة الحلفاء السياسيين لواشنطن في إسرائيل واليونان. ففي النهاية، سوريا وإدلب ليستا سوى مشكلة واحدة فقط من المشكلات التي تواجهها أنقرة من دون أي أصدقاء حقيقيين.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»