داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

التنكيل بالمحتجين في العراق وإيران

تصاعدت في الشهرين الأخيرين عمليات القتل المتعمد والمنظم في العراق وإيران، ضد المتظاهرين العُزل المحتجين على سوء الأوضاع الاقتصادية والفساد السياسي الذي لم يسبق له مثيل. وعمليات القتل المتعمد هذه تصل إلى «الإعدام» علناً على أرصفة الشوارع والميادين، بلا محاكمة ولا تحقيق، ومن غير الاعتراف بحق التظاهر والتعبير عن الرأي، ولا الإقرار بحق الدفاع عن النفس.
يمكن لكل ذي عينين أن يلاحظ أن القتل المتعمد والممنهج صار سياسة رسمية إيرانية، ثم عراقية، في التعامل مع المتظاهرين الذين قالوا «لا» للفساد، وطالبوا بالإصلاح الشامل.
الأسوأ من قوات «الباسيج» في إيران والميليشيات الموالية لإيران في العراق، هو موقف رجالِ دينٍ من المؤمنين بولاية الفقيه خامنئي، الذين طالبوا جهاراً نهاراً بإعدام كل المحتجين. ووصل الأمر في إيران إلى نقل عشرات من جثث الذين أعدموا في طهران بسيارات نقل اللحوم إلى أهاليهم، ومنع ذويهم من إقامة مجالس العزاء! وهو أمر يذكرنا بإعدام المعارضين الإيرانيين في سنوات سابقة ولاحقة، بشنقهم على أعمدة الكهرباء أو الرافعات علناً وأمام الناس. ووصف خبراء أمميون هذه الظاهرة بأنها «إعدام خارج القضاء» أو «الإعدام التعسفي»، وهما مصطلحان طارئان في القاموس السياسي، يحملان عبارة «صنع في إيران» في حالتي العراق وإيران، ومثلهما في سوريا واليمن.
ربما يتفاخر النظام الإيراني بلقب «الدولة الثانية عالمياً» في تنفيذ الإعدام ضد السياسيين، طبقاً للتقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية للعام الماضي. وبلغ المعدل الشهري للإعدامات السياسية خلال السنوات الخمس الأخيرة في عهد الرئيس حسن روحاني 56 شخصاً! واستخدم الملالي عمليات الإعدام بالجملة والمفرد أداة لبث الرعب في المجتمع، وفقاً لنظرية الملالي «النصر المرعب».
وطبقت الميليشيات الإيرانية في العراق هذه النظرية في بلاد الرافدين، منذ سقوط النظام السابق في عام 2003. وتصاعدت الإعدامات خارج أسوار السجون إلى حد الإعدام في الشوارع والساحات العامة، أو اختطاف السيارات التي تنقل السجناء والمعتقلين من سجن إلى آخر، وإعدامهم في الطريق!
لا وصف لعمليات القتل المتعمد في بغداد والبصرة والناصرية وكربلاء والنجف، وقبل ذلك في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى، غير الإعدام أو الإبادة.
وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» قد سجلت أن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق في الفترة من 2006 إلى 2014، أعطى الضوء الأخضر لجلادي الدولة لكي يقتلوا الأفراد «كيفما ومتى ما شاءوا». وتطور الأمر إلى ما نراه اليوم في ساحة التحرير وشارع الرشيد وجسور بغداد، من عمليات إعدام الشباب والمراهقين العُزل من الجنسين، بواسطة قنابل سامة صنعت في إيران اشتراها «طرف ثالث» على حد تعبير وزير الدفاع العراقي الحالي، في إشارة إلى الميليشيات الإيرانية تحت لافتة «الحشد الشعبي». وهذا «الحشد» المنفلت يُفترض أنه جزء من القوات المسلحة العراقية التي يقودها رئيس الوزراء العراقي.
وأثارت هذه «الإعدامات» العلنية غضب تيار عريض في القارات الخمس، يطالب بإلغاء هذه العقوبة التي ألغتها فعلاً بعض الدول. وفي المقابل هناك من يرفض الإلغاء لئلا يشجع ذلك على ارتكاب جرائم اعتيادية غير سياسية. الأمر قابل للجدال.
لقد أنتجت هوليوود أفلاماً كثيرة عن مجرمين تم إعدامهم، وكان بعضهم بريئاً مما نسب إليه. وما زالت المسلسلات التلفزيونية تطرق هذا الموضوع المثير للجدل. وفي الأفلام والمسلسلات العربية ظهر النجوم بالملابس الحمراء الخاصة بالمحكومين بالإعدام، وتم تناول الموضوع من زوايا اجتماعية كثيرة، ليس بينها الاعتراض على عقوبة الإعدام، خشية إساءة التفسير، ما قد يعرض العمل إلى المنع أو الحذف.
وفي الأدب العالمي، نقرأ للكاتب الفرنسي الأشهر فيكتور هوغو رواية عنوانها «آخر يوم في حياة رجل محكوم عليه بالإعدام»، يصف فيها هوغو أفكار مُدان قبل تنفيذ حكم الإعدام به. وما يمنح هذه الرواية أهمية مضافة، أن مؤلفها يعترض أساساً على هذه العقوبة.
وتناول الكاتب البريطاني جورج أورويل في روايته «عملية شنق» تنفيذ عملية إعدام، شهدها أورويل بنفسه أثناء خدمته كشرطي في أوائل القرن العشرين. وكتب أورويل في هذا الصدد: «إنه لأمر غريب حقاً؛ فحتى هذه اللحظة لم أتمكن من إدراك الحكمة وراء تدمير حياة رجل كان ينعم بالوعي والصحة. عندما رأيت السجين وهو يخطو ليتجنب قِطع الثلج المتساقطة، رأيت اللغز والخطأ الفادح المتمثل في إنهاء حياة شخص وهو في ريعان قوته. هذا الرجل لم يكن قاب قوسين أو أدنى من الموت؛ بل كان ينبض بالحياة مثلما كنا».
وصدق أو لا تصدق: هناك أغنيات كثيرة عن الإعدام! وطبعاً كلها أجنبية وليست بينها أغنية عربية واحدة. ففي أغنية «ذي ميرسي سيت» أي «كرسي الرحمة»، للمغني الأميركي جوني كاش، نسمع وصفاً لإعدام رجل باستخدام الكرسي الكهربائي؛ حيث يظل مصراً على براءته حتى تحين لحظة الموت، فيعترف بأنه مذنب. ويتم تنفيذ حكم القضاء. وفي أغنية لفرقة «ميتاليكا» إحدى أشهر فرق الموسيقى الأميركية، نسمع قصة رجل حكم عليه بالإعدام بالكرسي الكهربائي، على الرغم من أنه كان مجنوناً حين ارتكب جريمته. ولفرقة «بي جيز» البريطانية أغنية عاطفية درامية عن رجل في اللحظات الأخيرة قبل إعدامه، ويود إرسال آخر رسالة إلى زوجته.
وفي الولايات المتحدة طريقة قاسية للإعدام، هي الحقنة المميتة (القسوة هنا نسبية)، وعنها غنت فرقة «إن أو إف إكس» الأميركية قطعة على لسان سجين محكوم بالإعدام، خلال تنفيذ الحكم بالحقنة المميتة! وهناك أغنية لمطرب أميركي في فيلم «الميت الذي يمشي» تتناول عقوبة الإعدام من وجهة نظر حراس السجن!
إلا أن أشهر أغاني «الإعدامات» وأكثرها «شعبية» عنوانها «بكاء الحرية»، أدتها مجموعة من المساجين المحكوم عليهم بالإعدام في أوغندا، وتم تسجيلها من قبل جمعية حقوق السجناء، ضمن مشروع تطوير السجون الأفريقية. وهذه الأغنية موجودة على الإنترنت.
وللفنانة المصرية نيللي حوار غنائي في فوازير «الخاطبة»، تقول فيه: «النهاردة يوم إعدامي، بعد يادوبك ربع ساعة، يعني ما فيش فرصة قدامي، ده أنا بعمل مكياجي في ساعة»!
إذا استمر الحال على ما هو عليه، فلا بد من استحداث وزارة للإعدام لدى نظام الملالي المسيطر، كما يقول، على أربع عواصم عربية.