حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الصين تحتفل والحرب مستمرة!

احتفلت الصين منذ أيام قليلة بمناسبة مرور سبعين عاماً على قيام ثورتها الكبرى. ومن الممكن أن تكون هذه المناسبة شأناً داخلياً بحتاً لولا تداخل الصين الحاد بخدماتها ومنتجاتها واستثماراتها ومبادراتها مع دول العالم بشكل مؤثر جداً لا يمكن تجاهله، بالإضافة لكونها الدولة صاحبة التعداد السكاني الأعظم في العالم، وكونها صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولها طموح متزايد لتأسيس إمبراطورية اقتصادية خارج حدودها، وهي على استعداد كامل وتام لحماية هذا الهدف بالسلاح الثقيل والمتطور، كما ظهر ذلك بشكل واضح وجلي خلال الاستعراض العسكري الكبير بالعاصمة الصينية خلال مراسم الاحتفال.
وتفتخر الصين بأنها تمكنت من إخراج 850 مليوناً من سكانها خلال ثورتها عام 1949، ولكن نفس هذه الثورة تسببت في مقتل 45 مليوناً من السكان ومعاناة ساكني مناطق تركستان الشرقية والتبت وهونغ كونغ وماكاو، وأدت إلى هجرة الآلاف منهم إلى أميركا وكندا وأستراليا وماليزيا بسبب القمع الهائل الذي مورس وجعل إحساسهم بأنهم «صينيون» مسألة فيها مخاوف، وهذا الأمر يطال أيضاً تايوان، المنطقة التي تعتبرها الصين «إقليماً متمرداً» وسيتم إعادته إلى الوطن الأم في الوقت المناسب.
ولكن الصين تخوض الآن حرباً تجارية عنيفة مع الولايات المتحدة لم يعرف لها العالم مثيلاً من قبل، فالمعركة لها جذور، وهي بحسب المراقبين المتابعين للشأن التجاري الصيني بدأت منذ العام 2001 عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة الدولية، وهو الانضمام الذي يرى كثير من المشرعين الأميركيين أنه لم يكن يجب القبول به، لأن لديهم قناعات تقول إنه كان من الواضح جداً أن الصين لم تكن على استعداد لتبني القيم والمبادئ العادلة التي بني عليها نموذج الاقتصاد الغربي، وعندما تم قبول الصين عضواً في هذه المنظمة «استغلت» الصين ثقة سائر الأعضاء بشكل سلبي، وذلك بتخفيض «غير طبيعي» لقيمة عملتها الوطنية للإبقاء على منافسة منتجاتها في الأسواق التجارية الدولية؛ لتوسيع الفائض التجاري مع الدول المنافسة لصالحها بطبيعة الحال.
ويقول هؤلاء المشرعون الأميركيون إن الصين لم تتوقف عند هذا الأمر فحسب، بل كانت تقوم «بدعم» منتجاتها بشكل غير طبيعي؛ لتؤثر بشكل غير عادل على حسابات التكلفة التجارية، بالإضافة لاستخدامها لأيد عاملة رخيصة جداً تعمل في ظروف غير إنسانية، بل وصل الأمر إلى الاستعانة بالمساجين للمشاركة في تصنيع بعض السلع «بالمجان». ويذكرون أيضاً موضوع الاستيلاء وسرقة الحقوق الفكرية للكثير من المنتجات والبرامج والتصاميم. كل ذلك أدى إلى حصول نجاحات تجارية «مبهرة» نتاج الأسباب التي سبق ذكرها، ولسبب آخر وهو التداخل الغريب في الملكية والعلاقة بين الحكومة والقطاع العام من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى، حتى انفجرت ما عرف لاحقا بـ«صدمة الصين» التي بينت للعالم أن أسعار السلع الصينية غير طبيعية، وأن الإغراق سيواجه بحرب، وهو تفسير ما يحصل الآن.
رغم سوداوية المشهد فإن المؤمنين بالعولمة يعتقدون أن الحل بين الحلفاء هو الاتحاد على سياسة ثابتة مع الصين لمنع حصول ثغرات يمكن استغلالها، بالإضافة إلى ضرورة تقوية دور منظمة التجارة الدولية ككيان مؤثر، إلا أن كل ذلك في اللحظة الراهنة لا يبدو ممكناً في ظل وجود الرئيس ترمب، الذي لديه موقف معاد للعولمة ولا يؤمن بالمنظمة الدولية، ويرى الصين فرصة نجاحه الأكبر.