طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مكانة أم فقاعة؟

الصراع الفني لا تراه فقط على ساحة خشبة المسرح، أو شاشة السينما، أو ميكرفون الإذاعة، افتتاح المهرجانات أصبح ملعباً مفتوحاً لممارسة نوع آخر من الصراع الساخن، فهو يدخل في حلبة اسمها سرقة الكاميرا، تستخدم فيها جميع الأسلحة، والكل يتسابق للاستحواذ عليها.
شاهدنا في العديد من المهرجانات العربية، مشاحنات متعددة وصلت لدنيا «العرائس» الخشبية، ودخلت «أبلة فاهيتا» على الخط؛ تابعناها وهي تُجري حوارات مع النجوم، وكل منهم يبحث عن الإجابة القادرة على إثارة الجدل والانتقال بعدها إلى «السوشيال ميديا»، بأكبر عدد من اللايكات، أو حتى الاستهجانات، فلا شيء يهم، لأن القاعدة هي تحقيق أكبر قدر من الإثارة، إنها اللعبة التي يلجأ إليها القطاع الأكبر من النجوم، أو في الحقيقة النجمات. ثبت أن الرجال، باستثناءات قليلة، هم في هذا الشأن الأكثر انضباطاً، برجاء ألا يضعني أحدٌ في قائمة أعداء المرأة، لأن للرجال في المجالات الأخرى، العديد من الأخطاء، التي يتفوقون فيها على النساء.
في آخر مهرجان بدأت قبل أيام دورته الثالثة، أقصد «الجونة»، نلاحظ أن النجمة نفسها التي أثارت كل الاهتمام والاستهجان، بسبب بطانة الفستان التي نسيتها قبل أن تغادر منزلها، في ختام «مهرجان القاهرة»، العام الماضي، هي أيضاً التي استحوذت هذه المرة على الاهتمام في افتتاح «الجونة»، بسبب مساحة زائدة في صدر الفستان الذي ارتدته، ونجحت خطتها في إثارة الرأي العام.
في العالم كله ترتبط النجومية، برغبة عارمة في اكتساب أكبر قدر من الاهتمام، عشق الكاميرا واحد من تلك المفردات، التي لا يكف فيها النجم عن البحث عن موقف أو كلمة أو تعليق، تسمح له بأن يظل يمتلك حضوراً.
المهرجانات، في جزء منها، من الممكن إحالتها لمشروع تجاري، نجم يسوق نفسه أو نجمة تروج لمحلات المجوهرات، وبيوت الأزياء والمكياج وغيرها.
النجوم في تعاملهم مع تلك التظاهرات والفعاليات، تتباين ردود أفعالهم، هناك من يحضر بقدر من الذكاء، وقد يعتذر عن عشر مهرجانات، أو برامج، ويذهب إلى واحد فقط مثل عادل إمام، وهو ما يفعله أيضاً يحيى الفخراني، بينما الفنان الراحل محمود مرسي، لن تجد له مثلاً أي برنامج حواري مسجل، وكان يرفض تماماً حضور المهرجانات والعروض الخاصة والحفلات، وعندما سألته: لماذا هذا الحاجز الخرساني الذي أقمته في علاقتك مع وسائل الإعلام؟ أجابني: «أنا لست للفرجة»، فقط أنا أقدم شخصية درامية في عمل فني، يراها الناس على الشاشة، بينما محمود مرسي الإنسان لا يعرض نفسه على أحد داخل «فاترينة» من زجاج.
لا يؤمن أغلب نجومنا بمبدأ محمود مرسي، أحياناً الخوف من النسيان يدفعهم للوجود بأي ثمن أو طريقة، ربما يستعيدون حكايات الآخرين، الذين كانوا في بؤرة الاهتمام، ثم لم يعد أحد يتذكرهم.
هل الجمهور يقدر قيمة الفنان بعدد مرات وجوده في الحفلات والمهرجانات والبرامج والأغلفة وغيرها؟ الناس تنسى كل ذلك، فهي أشبه بفقاعات الصابون، التي تعتقد في البداية أنها تملأ المكان، بينما هي في حقيقة الأمر تتبدد في لحظات. الكرة في ملعب النجوم والنجمات ليحدد كل منهم موقفه، هل أنت مجرد فقاعة، أم صاحب مكان ومكانة؟!