د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

الشركات الأميركية بين المال والحس الوطني

مناشداً الحس الوطني فيهم، طلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الشركات الأميركية مغادرة الصين والعودة بشركاتهم إما إلى الولايات المتحدة أو الانتقال بأعمالهم إلى دول أخرى، في محاولة ضغط منه على الحكومة الصينية للاستجابة لمطالبه في المفاوضات الجارية بين البلدين. ويبدو أن أسلحة الرئيس ترمب لا تنضب، فسلاحه الأساسي هو الرسوم على السلع الصينية الواردة لأميركا، ومن ثم حاول الضغط على الصين من خلال اعتقال المديرة المالية لشركة «هواوي» الصينية (وهي ابنة مؤسس الشركة)، وبعدها أصدر أمراً بمنع الشركات الأميركية في الولايات المتحدة من التعامل مع الشركات الصينية. وهذه المرة، حاول التأثير بشكل مباشر على السوق الصينية من خلال مطالبته الوديّة للشركات الأميركية بالخروج منها، كما حاول أيضاً استخدام سلطته حين صرح بأنه يفكر في استخدام قانون الطوارئ لإجبار الشركات الأميركية للانصياع له، إلا أن هذا التصريح قد لا يكون إلا مجرد تهديد غير قابل للتنفيذ.
والأكيد أن الشركات الأميركية في الصين تأثرت كثيراً منذ بداية الحرب الاقتصادية، فقد أظهر استبيان قام به لوبي يتبع كبريات الشركات الأميركية أن ما نسبته 49 في المائة من الشركات الأميركية التي تعمل في الصين خسرت مبيعات من حصتها السوقية لشركات غير أميركية، ولم تزد هذه النسبة على 7 في المائة قبل بداية تأجج الحرب الاقتصادية. وقال 40 في المائة من المشاركين في الاستبيان إن موثوقية الشركات الأميركية اهتزت بشكل كبير. كما اتضح أن كثيراً من الشركات الأميركية بدأت تعاني من التمييز في الصين، من خلال تعقيد الإجراءات الحكومية وأنظمة الضرائب، إضافة إلى إعطاء الأولوية بشكل صريح للشركات الصينية مقابل الشركات الأميركية. وتأثر الشركات الأميركية بفعل الحرب لا يخفى على الكثير، فشركة «أبل» لوحدها انخفضت مبيعاتها في الربع الأخير من عام 2018 إلى 13 مليار دولار مقارنة بـ18 مليار دولار في الربع نفسه لعام 2017.
ومع هذا كله، فإن الصين هي الخيار الأول في الأسواق الناشئة للشركات الأميركية. والعوامل الجاذبة في الصين متعددة ولا تنحصر فقط على التكلفة المنخفضة لليد العاملة. فالمعرفة الصناعية في الصين لا تقارن بأي دول أخرى. كما أن استقرار العملة الصينية يعد عاملاً جاذباً للشركات الأميركية التي قد يؤثر تذبذب العملات على أرباحها بشكل مباشر. ويساعد نمو الاقتصاد الصيني على تقليل المخاطر على الشركات الأميركية العاملة في الصين، وذلك بزيادة استثماراتها في الصين بشكل مستمر. وتتصدر الصين الأسواق الناشئة في مستوى الربحية، وتقل نسبة الضرائب فيها بنسبة 5 في المائة على الأقل من دول منافسيها مثل الهند والبرازيل والمكسيك.
وفوق هذا كله، فإن 97 في المائة من الشركات الأميركية العاملة في الصين ما زالت تحقق أرباحاً حتى مع فرض الرسوم الجمركية. جميع هذه الأرقام تدلل وبشكل واضح على أن الشركات الأميركية لا تنوي الانصياع لترمب بالخروج من الصين، وهذا ما صرح به رئيس لوبي الشركات الأميركية. وهو ما بينته الإحصاءات كذلك، حيث أظهر الاستبيان أن 7 في المائة فقط من الشركات الأميركية تنوي الخروج من الصين، وأن أقل من 3 في المائة منها تفكر بالعودة للولايات المتحدة. والواقع أن الربحية في الصين أكثر بكثير من الولايات المتحدة حتى مع الرسوم المفروضة على سلعهم (وهي بنسبة 25 في المائة). كما أن الانتقال إلى دول مشابهة للصين قد لا يؤثر كثيراً على الربحية، بحسب الاستبيان.
إن مناشدة ترمب الحس الوطني للشركات الأميركية بدا للبعض كأنه محاولة يائسة للضغط على الصين، وحتى مع تأكيداته المستمرة أن الصين سوف تخضع في آخر الأمر، إلا أن الأمر لا يبدو كذلك الآن. فحتى هذه اللحظة لا تبدو أي بوادر على أن الشركات الأميركية تنوي الخروج من الصين، فالحس الوطني غير كافٍ في رأي الشركات الأميركية للخروج بأعمالهم وأموالهم وأرباحهم من الصين، كأنهم لا يأبهون بكون الصين غير عادلة في تعاملاتها التجارية مع الولايات المتحدة ما داموا يحققون الأرباح في نهاية العام. وعلى الحرب الاقتصادية أن تكون أسوأ مما هي عليه بكثير حتى تبدأ الشركات الأميركية في التفكير بالخروج من الصين، حينها تكون الخسائر سبباً وجيهاً للشركات الأميركية للبحث عن وجهة أخرى غير الصين.