حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مواجهة مبادئ

حدثان مهمان يشغلان العالم هذه الأيام، ولكل حدث تداعياته وأبعاده. الأول هو الحرب التجارية المسعورة بين الصين وأميركا، والآخر خروج بريطانيا المعقد جداً من الاتحاد الأوروبي.
تداعيات الحرب بين أميركا والصين أصحبت مؤثرة وبشكل سلبي جداً على الاقتصاد الدولي. هناك قناعة راسخة جداً لدى الرئاسة الأميركية (منذ رئاسة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما) أن الصين «تستغل» تصنيفها كدولة نامية بدلاً من أن تتحمل «مسؤولياتها» كدولة عظمى، عضو دائم في مجلس الأمن وثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهي بالتالي لا تقوم «بالتزاماتها التنموية» حول العالم من دعم مالي لدول العالم الثالث، ولا تعاقَب لسرقات أفكار غيرها بمخالفات صريحة لقوانين حقوق الملكية الفكرية، وقيامها باستخدام السجناء عمالةً في المصانع لتوفير تكاليف الأيدي العاملة.
اليوم قررت أميركا أن الصين عليها دفع ثمن هذا «التجاوز»؛ ولذلك كانت العقوبة عليها برفع التعرفة الجمركية على منتجاتها. أميركا لديها استراتيجية أكبر للرد على الصين، فهي تدرك أن الصين «تتلاعب» بقيمة عملتها وتخفضها بشكل مصطنع وليس بسبب عوامل السوق لتستمر في تحقيق فوائض في ميزانها التجاري مع دول العالم، وأميركا لديها مخزون عظيم من الاستثمارات الدولارية في سنداتها الحكومية باسم الحكومة الصينية، وهذا أكبر عائق أمام الصين في تسعير منتجاتها، وبالتالي التعامل عالمياً بعملتها اليوان بشكل حصري ورسمي؛ لأن حصول ذلك سيبخّر قيمة الاستثمارات الصينية الهائلة في السندات الأميركية.
أميركا ستواصل الضغط على الصين وقد تلجأ لتخفيض «عنيف وغير مسبوق» في قيمة الدولار وتواصل تقوية العلاقات مع المقاطعات القوية اقتصادياً، إيماناً منها أن ذلك على المدى الطويل سيضعف السلطة المركزية في الصين. الصين كانت لفترة طويلة الورشة الخلفية للشركات الأميركية التي اعتمدت على تكلفة الإنتاج المتدنية فيها، لكن مؤخراً بدأت الصين تنافس أميركا في المجالات نفسها التي كانت تميزها، لكن التجارة الخارجية تحدث الفارق في المقارنة.
أميركا تعتمد على التصدير بما يعادل 10 في المائة من إجمالي الاقتصاد، بمعنى آخر الاستهلاك الداخلي يشكل 90 في المائة بينما الصين تعاني من اعتماد مهول على التصدير، حيث يشكل الاستهلاك الداخلي نسبة 28 في المائة فقط من إجمالي الاقتصاد.
وفي الحدث الآخر تترنح بريطانيا بسبب رعونة تنفيذ اتفاق «بريكست» الذي توقعته مراكز صناعة القرار في الجامعات الكبرى في بريطانيا قبل حدوثه، لكن رعونة التطبيق والتناحر السياسي أوصل البلاد لهذه المرحلة. روسيا والصين تسخران مما يحدث في أهم دولتين بالغرب في أميركا وبريطانيا وعبر واجهتهما الإعلامية يروجان أن السبب في ذلك هو الديمقراطية التي أوصلت أناساً غير أكْفاء لمنصة صناعة القرار السياسي «لتخويف» شعبي الصين وروسيا وحلفائهم من الخيار الديمقراطي، والاهتمام بالتركيز على البديل الروسي والصيني الذي يوفر الاستقرار والرضا وقائداً مركزياً قوياً (بحسب تحليلهم). ما تقدمه الصين وروسيا هي قيادة «شخص» تبقي الأمور في طي المجهول بعد رحيلهما، أما الديمقراطية والغرب فهما يقدمان حكم المؤسسات القادرة على نقد نفسها وإصلاح الخطأ متى ما حصل، فالفرد الحاكم لا يبقى فيها للأبد وبلا محاسبة.
إن المواجهة بين الصين وروسيا من جهة والغرب من جهة أخرى هي مواجهة قيم ومبادئ في المقام الأول تتخطى المواجهة الاقتصادية تماماً.