مات ليفين
TT

«فيسبوك» والضغوط المتزايدة

من الواضح أن شركة «فيسبوك» على طريقها لدفع غرامة تقدر بخمسة مليارات دولار إلى «لجنة التجارة الفيدرالية» لارتكابها بعض المخالفات الصريحة، فيما يتعلق بقضية الخصوصية. كما سوف توافق الشركة على اتخاذ بعض الخطوات المعنية بإيقاف ممارسات الخصوصية السيئة في المستقبل. (سوف تكون هناك لجنة للمتابعة).
والتسوية المذكورة ليست رسمية حتى الآن، ولكنها خضعت لمراجعة جيدة للغاية. ودائماً ما أصابتني حيرة خاصة تتعلق بفضيحة الخصوصية لدى شركة «فيسبوك» (فضيحة «كامبريدج أناليتيكا» الشهيرة) حيث إن شروط التسوية المحددة ليست علنية حتى الآن، لذا فأنا لا أحاول الدخول في مضامينها.
لكنني أود الحديث عن مقالة كتبها الزميل توم روم من صحيفة «واشنطن بوست» بشأن المفاوضات والقصة الخلفية حول التسوية، نظراً لأنها من أكثر المقالات استنارة التي قرأتها عن اللوائح الرقابية الأميركية منذ وقت طويل.
تقول القصة إن بعض المسؤولين في «لجنة التجارة الفيدرالية» أرادوا ممارسة مزيد من الضغوط بغية الحصول على مزيد من التنازلات من شركة «فيسبوك»، كجزء من التسوية الجارية. «وتضمنت تلك الضغوط فرض غرامة على (فيسبوك) تتجاوز 5 مليارات دولار إلى عشرات المليارات من الدولارات، مع فرض مزيد من المسؤوليات المباشرة على مارك زوكربيرغ، رئيس مجلس إدارة الشركة». كما أنهم سعوا لإدراج تغييرات هيكلية أكثر في كيفية تعامل «فيسبوك» مع بيانات المستخدمين، غير أن الشركة رفضت ذلك تماماً.
وعارض فريق المحامين الخاص بالشركة، وعلى رأسهم كولين ستريتش، المستشار القانوني للشركة، بقوة، وضع مارك زوكربيرغ تحت الوصاية، بما في ذلك خلال اجتماعات الشركة مع مفاوضي اللجنة، اعتباراً من العام الماضي.
وعكست محاضر الإحاطة الداخلية الخاصة بالشركة العملاقة استعدادها لوقف مفاوضات التسوية، ونقل الأمر برمته إلى المحكمة، إن اقتضى الأمر، بهدف حماية الرئيس التنفيذي من واحدة من أشد العقوبات التي قد تفرضها عليه «لجنة التجارة الفيدرالية» بصفة مباشرة. وحاول مسؤولو اللجنة، عند مرحلة من المراحل، إدراج بند في الأمر الإداري الخاص بهم يشير في كافة الأوقات إلى أن زوكربيرغ كان يتحدث أو ينشر علناً بشأن التزامات الخصوصية في شركة «فيسبوك». ولقد عارضت الشركة ذلك الأمر بقوة أيضاً.
كما سعى قادة «فيسبوك» كذلك إلى تفادي فرض أي قيود على الطريقة التي يجمعون بها البيانات في المقام الأول، وهو من الشروط الأخرى التي طال انتظارها من قبل لجنة الديمقراطيين، من الذين شعروا بأنه ينبغي على اللجنة محاولة الحصول على الأوامر القضائية التي تلزم الشركة بتغيير سلوكياتها، وليس مجرد إخضاع السلوكيات للمراقبة خلال السنوات المقبلة.
أما جمعيات مراقبة حقوق الخصوصية، ومن بينها مركز معلومات الخصوصية الإلكترونية، فقد أصرت وبشدة على الحاجة إلى فرض «العلاجات الهيكلية» ضمن كيان «فيسبوك» لفترة تزيد على عام كامل.
يبدو أن جزءاً مما يجري هنا يتعلق ببعض الأشخاص من «لجنة التجارة الفيدرالية» الذين يعتقدون أن شركة «فيسبوك» قد ارتكبت مخالفات وانتهاكات قانونية فادحة للغاية (وتتعلق بمرسوم سابق صادر عن اللجنة ذاتها)، وأن مارك زوكربيرغ يتحمل قدراً معتبراً من المسؤولية الشخصية عن ذلك، في حين أن بعض المسؤولين في شركة «فيسبوك» يظنون أن ذلك لم يحدث، وأن ساحة زوكربيرغ بريئة تماماً من تلك الاتهامات.
وهناك نزاعات قانونية وإجرائية لا اقترح أبداً عرضها للتقييم العام، رغم أنني أود الإشارة إلى حقيقة استعداد شركة «فيسبوك» من جانبها للذهاب إلى المحكمة، في حين أن «لجنة التجارة الفيدرالية» لم تعلن عن استعدادها لذلك، مما يوحي بأن الشركة تملك حجة معتبرة تستند إليها على أدنى تقدير.
بيد أن الأمر الأكثر أهمية مما يجري هنا، أن بعض الأشخاص – في «لجنة التجارة الفيدرالية» وجهات أخرى – اعتقدوا أنه ينبغي على اللجنة فرض التغييرات الهيكلية الكبيرة على أسلوب عمل شركة «فيسبوك»، والطريقة التي تجمع بها بيانات المستخدمين في المقام الأول، وأن الشركة لم تذعن لذلك. ولا يعتبر هذا من النزاعات القانونية أو الإجرائية؛ بل إنه نزاع يتعلق بسياسات العمل، وهو ما لا علاقة له بقضية الأخطاء أو الانتهاكات التي ارتكبتها الشركة، أو مدى مسؤولية رئيسها التنفيذي عن تلك الأخطاء المرتكبة.
حتى وإن خرجت شركة «فيسبوك» بقضية محكمة للغاية، وأن كل ما صنعته ببيانات شركة «كامبريدج أناليتيكا» مسموح به بموجب بنود القانون واللوائح الحالية، فربما ترغب «لجنة التجارة الفيدرالية»، وجمعيات مراقبة حقوق الخصوصية، والكونغرس، والمواطن العادي، في المطالبة بفرض التغييرات على طريقة جمع الشركة لبيانات المستخدمين رغم كل شيء.
وفي واقع الأمر، تملك الولايات المتحدة، كدولة ذات سيادة، الآليات للقيام بذلك. ويطلق عليها اسم «آلية إنفاذ القانون». ومن شأن بعض أعضاء الكونغرس، من الجهة المعنية بصياغة التشريعات، وضع مشروع قانون يقضي بأن: «لا يمكن لشركات التواصل الاجتماعي جمع بيانات المستخدمين وفق الأساليب السيئة التالية...»، أو أياً كان الأسلوب، ويمكن لأعضاء الكونغرس الآخرين مناقشة الأمر باستفاضة، وعند موافقتهم، وتصديق الرئيس على القانون، فسوف يتم إقراره ويتحول إلى قانون ساري المفعول، ومن ثم تكون هناك قيود جديدة على الطريقة التي تجمع بها شركة «فيسبوك» بيانات المستخدمين. وإن تعمدت الشركة انتهاك تلك القوانين فسوف تضطر بموجبها إلى سداد غرامات أكبر، أو ربما يفضي الأمر إلى إغلاق الشركة، أو صدور حكم بالسجن على مسؤوليها التنفيذيين، أو أياً ما كان يقضي به القانون الجديد من عقوبات.
وفي هذه العملية، قد يكون لدى شركة «فيسبوك» بعض المقترحات على القواعد الجديدة.
إذ إن مارك زوكربيرغ هو مواطن أميركي، ويمكنه إرسال خطاب إلى أي عضو بالكونغرس شأنه شأن أي مواطن آخر. والأمر الأكثر واقعية من ذلك، أن «فيسبوك» لديها كثير من المحامين، وجماعات الضغط، والمساهمون أصحاب المصالح، ولسوف يستمع أعضاء الكونغرس إلى ما يقولونه. كذلك تملك شركة «فيسبوك» كثيراً من الخبرات ذات الصلة بتلك المداولات. ويريد المشرع المسؤول – حتى وإن كان لا يفضل شركة «فيسبوك» أو يثق بها كثيراً – النظر في مقترحات الشركة بشأن كيفية عمل القواعد. ومن الناحية النظرية، ذلك هو السبب الرئيسي في عقد الكونغرس لمختلف جلسات الاستماع.
غير أن العملية لن تسير على منوال مفاوضات الند بالند. وليس الأمر كما لو أن الكونغرس يقول للشركة: «نريد تنظيم أساليب جمع البيانات لديكم»، ثم ترد الشركة بقولها: «كلا، نحن لا نرغب في ذلك»، فيجيب الكونغرس بقوله: «حسناً، لديكم مستشارون قانونيون ممتازون، ولسوف يبقى الأمر على ما هو عليه». إن بطاقة الضغط الرئيسية لدى «فيسبوك» إزاء «لجنة التجارة الفيدرالية» هي: «نحن لا نعتقد بأننا ارتكبنا أي شيء خاطئ، وإذا أصررتم على فرض قيودكم على طريقة جمع البيانات لدينا، فسوف نتقابل في المحكمة»، وهي البطاقة التي لن تُفلح على الإطلاق إذا ما استخدمت مع الكونغرس بغية منعه من سن القوانين؛ لأن الكونغرس لا علاقة له بمجريات النزاع القائم بين الشركة واللجنة. ويملك الكونغرس الحق في سن القوانين المعنية بقضية حقوق خصوصية البيانات، حتى وإن لم يتعمد أي شخص أو جهة خرق أو انتهاك القوانين السابقة المعنية بالأمر نفسه.
وفي الحقيقة، ذلك هو أفضل الأسباب لسن القوانين. والمنطق المعقول والمقبول يقول إن هناك ممارسات سيئة تجري في مكان ما، وليست هناك قوانين تنظم تلك الممارسات، لذلك يتوجب على الكونغرس سن القوانين المعنية بتنظيم الأمر برمته.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»