حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

المراكز الصيفية المتطرفة

بصفوفٍ منتظمة، وحركات منضبطة، و«يونيفورم» أنيق ذي لمسة عسكرية واضحة للعيان، بدا مشهد طلاب المراكز الصيفية الحوثية في اليمن وهو يغرس في صغار المركز التربية العسكرية والصيحات الثورية والفكر الآيديولوجي والتمسك بالعروة الطائفية المتشددة. أحد هذه المراكز الصيفية أطلقت عليه عصابة الحوثيين اسم «مركز الشهيد حسين بن بدر الدين الحوثي»؛ وفيه يرضع الصغار فكر الخمينية ومذهبها وأهازيجها وثقافتها الثورية.
يقول أحد الصغار في حديثه للتلفزيون الحوثي إنه انتظم في هذا المركز الصيفي «لكي نتعرف على الرموز من قادتنا وقدوتنا، ونتعرف على الخط الصحيح الذي يقودنا إلى سعادة الدنيا والآخرة». والخط الصحيح الذي يعنيه هو خط الخمينية الطائفية، وهو خط غريب عن الخطوط المذهبية في المجتمع اليمني الذي ينتمي إما إلى الشافعية السنية أو المذهب الشيعي الزيدي الذي يقترب من المذهب السني أكثر من الاثني عشرية الجعفرية. وتركز المراكز الصيفية الحوثية، كما يقول أحد طلاب المركز الذين غُسلت أدمغتهم، على «الثقافة الجهادية»؛ الثقافة الصحيحة وليست الثقافة المغلوطة التي تعلموها في الماضي!
هذا هو منهج الخمينية الإيرانية في مدّ نفوذها العسكري والسياسي الذي يقوم على استخدام الآيديولوجيا بوصفها «بلدوزر» يكتسح الثقافات الأخرى ليحل محلها فكر الخمينية، فيتهيأ المناخ لكل أشكال النفوذ الإيراني السياسي والفكري والعسكري حتى تتحقق لهم غايتهم الكبرى بالسيطرة التامة على منطقة الشرق الأوسط ومقدراتها ومقدساتها.
ما تجب الإشارة إليه في هذا الشأن أن استراتيجية مقاومة النفوذ الإيراني وتمدداته الأخطبوطية التي ما برحت تركز على الجبهة العسكرية، وهي بلا شك غاية في الأهمية، لا بد من أن تضع حيزاً كافياً للنزالات الفكرية والآيديولوجية وحائط الصدّ المذهبي، كما يجب ألا يتحسس أحد من «كارت الطائفية الأحمر» الذي يبرع المعسكر الإيراني في إشهاره عبر أذرعته الإعلامية والدبلوماسية، فهم الذين عززوا الطائفية عبر خلخلة النسيج المذهبي المتناغم في الدول العربية والإسلامية، فأمسينا نسمع لأول مرة عن شيعة في إندونيسيا ومصر ودول المغرب العربي ودول أفريقية لم يكن للتشيع وجود فيها قبل الثورة الخمينية الطائفية.
وبما أن المقال بدأ بالتغلغل الإيراني في اليمن، فالفرصة الآن مواتية لتجسير التواصل وتوثيق العلاقة مع كل المكونات الفكرية والسياسية للمجتمع اليمني للاصطفاف في جبهة واحدة ضد ميليشيات الحوثي الطائفية، وإلا فإن خلخلة الحوثية الإيرانية لنسيج المجتمع اليمني وتركيز الآيديولوجيا الخمينية في الجيل الجديد، كما يفعلون هذه الأيام عبر التعليم والمراكز الصيفية، ستستمر، ولو نجحوا في ذلك؛ فستكون لهم السطوة والنفوذ حتى ولو زحزحهم خصومهم عن المشهد السياسي؛ إذ حينها سيكون لهم ما هو أشبه بالحكومة العميقة أو الجذور المتشعبة التي يصعب اقتلاعها.