د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

مستقبل السيارات الكهربائية

في عام 1900، كانت السيارات الكهربائية تشكل 28 في المائة من إجمالي إنتاج مصانع السيارات الأميركية، ولكن منذ ذلك الحين أخذت هذه النسبة في الانخفاض بفعل ثورة محركات المشتقات النفطية. وبحلول عام 1935، أصبحت السيارات الكهربائية في حكم المنقرضة، وشهدت الستينات والسبعينات الميلادية محاولات خجولة لإنتاج سيارات كهربائية، إلا أنها لم تصمد أمام السيارات التقليدية التي تفوقت بقوة محركاتها وسهولة التعامل معها.
وفي عام 2003، ومع تأسيس شركة «تيسلا»، بدأت محاولات أكثر جدية لإنتاج سيارات كهربائية تطمح إلى أن تكون بديلة للسيارات التقليدية. ومؤخراً بدأ يتضح السباق بين شركات السيارات في مجال السيارات الكهربائية، التي يمكن اعتبارها الجيل القادم من السيارات، والمحَفَّزة بفعل القوانين والتشريعات البيئية التي تفرض ضرائب على السيارات التقليدية.
وكما كانت المحركات جوهر السيارات التقليدية، أصبحت البطاريات محور السيارات الكهربائية، ولذلك ارتبطت صناعاتها بتطوير وتصنيع البطاريات المكونة أساساً من مادة الليثيوم. ومع الرهان الحالي على السيارات الكهربائية، أصبح التفوق في إنتاج بطاريات الليثيوم مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالتفوق في تصنيع هذه السيارات. ويشكل الإنتاج الآسيوي 80 في المائة من الإنتاج العالمي للبطاريات، وتسيطر الصين على حصة الأسد من السوق العالمية للبطاريات، بنسبة تقارب 68 في المائة، بينما تشكل حصة الولايات المتحدة 15 في المائة، بينما لا يشكل الإنتاج الأوروبي إلا 4 في المائة فقط!
ويُستغرب من الأوروبيين هذا التأخر في مجال إنتاج البطاريات الكهربائية لعدة أسباب: أولها أن الاتحاد الأوروبي هو أول من يدعو إلى فرض ضرائب على السيارات التقليدية، فكيف لدوله أن تفرض هذه الضرائب دون أن تملك البديل. كما عرف عن الدول الأوروبية أنها لا تترك مصيرها بيد غيرها من الدول، فهي لن تسمح لدول أخرى بالتفوق في صناعات مؤثرة على اقتصادها كصناعة السيارات. والمتأمل في إنشاء شركة «إير باص» للطيران في بداية السبعينات الميلادية، يدرك كيف اتحدت أوروبا لإنشاء مصنع للطائرات لوقف سيطرة الشركة الأميركية «بوينغ» على هذه السوق. فإذا كان هذا هو الحال مع أميركا الحليفة لأوروبا، فماذا عن آسيا المنافسة لها؟ ولذلك شهدت السنوات الأخيرة تشكيل تحالفات أوروبية عدة لإنشاء مصانع بطاريات، تكون نواة لتصنيع السيارات الكهربائية في أوروبا. منها شراكة «بي إم دبليو» مع «غولدمان ساكس» و«آيكيا»، وآخرها هو التحالف بين شركتي «فولكس فاغن» الألمانية، و«نورث فولت» السويدية، لإنشاء مصنع تبلغ إنتاجيته 32 غيغاواط بحلول عام 2025. ويجدر بالذكر أن الإنتاجية القصوى لشركة «تيسلا» الأميركية هي 35 غيغاواط، وإن كانت إنتاجيتها الفعلية لا تزيد على 22 غيغاواط، بينما تبلغ إنتاجية شركة «كاتل» الصينية 23 غيغاواط حالياً، وأعلنت قبل أيام عن مشروعات توسعية تتوقع من خلالها أن تصل بإنتاجيتها إلى 136 غيغاواط بحلول عام 2022.
ولا يستغرب ذلك من «كاتل» التي يبلغ عمرها 8 سنوات فقط، تمكنت خلالها من انتزاع صدارة الشركات المنتجة للبطاريات في العالم، من منافستها اليابانية «باناسونيك» في عام 2017.
ويتوقع أن تتضح نتائج هذه المشروعات العملاقة بحلول عام 2025؛ حيث ربط كثير من الشركات أهدافه بهذه السنة.
فأعلنت «فولكس فاغن» أنها ستنفق 30 مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة على مشروعات مرتبطة بتصنيع السيارات الكهربائية، متوقعة أن تصل إنتاجيتها من السيارات الكهربائية إلى 3 ملايين سيارة في ذلك العام. كما تطمح «تويوتا» اليابانية إلى أن تصبح نصف إنتاجيتها في ذلك العام من السيارات الكهربائية، وتبلغ هذه النسبة الآن 17 في المائة. ومن أجل هذا الهدف، خالفت «تويوتا» أعرافها لتوقع شراكة مع شركة صينية لإنتاج بطاريات الليثيوم. واستثمرت «مرسيدس» أكثر من مليار دولار لكي تصبح هذه النسبة 20 في المائة في عام 2025.
إن الالتفات إلى السيارات الكهربائية أصبح مؤكداً بفعل الأرقام المنفقة حتى الآن، والأرقام المعلنة للسنوات القادمة، التي قد تزيد على 300 مليار دولار بحسب التوقعات. وفي حين بلغ إنتاج السيارات الكهربائية 1.9 مليون سيارة في عام 2015، يتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 9.3 مليون سيارة في عام 2020، و30 مليون سيارة في عام 2025.
والشركات تدرك أن عدم خوضها المنافسة من الآن قد يعني إعلان إفلاسها مستقبلاً، فالمؤشرات تدل على أن نسبة السيارات الكهربائية في العالم قد تصل إلى 15 في المائة من إجمالي السيارات في العالم. والدروس التاريخية تؤكد أن المكابرة على اللحاق بركب التطور طريق حتمي نحو الإفلاس، ومن يطّلع على الشركات الكبرى التي تعرضت للإفلاس في السنوات الأخيرة يدرك هذه الحقيقة.