وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

الاعتداءات على ناقلات النفط لم تعد مهمة

أليس من الغريب أن يتم الاعتداء على ناقلتين للمواد البترولية في خليج عمان وأسعار النفط ترتفع دولاراً واحداً فقط؟ والأغرب من هذا أن الاعتداءات تتزايد حيث تضررت 4 ناقلات خلال أسابيع بسيطة تخللها اعتداءات على البنية التحتية النفطية في المملكة العربية السعودية ومع هذا دخلت أسعار النفط الأسبوع الماضي منطقة تعرف باسم سوق الدببة بعد هبوطها 20 في المائة.
لم تعد الاعتداءات على ناقلات النفط والمواد البترولية في مضيق هرمز أو الهجوم على المنشآت النفطية واحتمالية صراع عسكري بين إيران والسعودية أو إيران والولايات المتحدة تشكل أهمية للمتداولين والتجار في سوق النفط. إن أمراً مشابهاً لهذا كان سيدفع أسعار النفط إلى الصعود بجنون قبل 5 أعوام من الآن.
لقد صعدت أسعار النفط منذ انطلاق الربيع العربي في 2011 إلى 100 دولار وظلت عند أو فوق هذا الحد لمدة أربع سنوات بسبب المخاوف من المخاطر الجيوسياسية والانقطاعات المحتملة نتيجة الأزمات الأمنية.
إذن ما الذي حدث وما التغيير الكبير الذي جعل سوقاً تتفاعل مع عطل في أنبوب بشكل جنوني إلى تجاهل اضطرابات جيوسياسية أثرت على حركة ناقلات النفط هي الأشد منذ حرب الخليج الثانية؟!!
قبل الإجابة عن هذا السؤال فلنعد قليلاً إلى الوراء في الزمن وتحديداً إلى عام 2008 عندما ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها التاريخية وبلغت 147 دولارا للبرميل في يوليو (تموز) من ذلك العام؛ لقد كان الطلب في ذلك العام يواجه مخاطر من الأزمة المالية التي ضربت الأسواق العالمية في أعقاب أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة.
وفي نظر السعودية وباقي دول أوبك فإن الإمدادات كانت كافية ولم يكن هناك داع لزيادة الإنتاج حتى تهبط الأسعار وألقت السعودية باللوم حينها على المضاربين الذين رفعوا أسعار النفط في نيويورك ولندن بهذا الشكل الجنوني. ودعت السعودية في يونيو (حزيران) إلى اجتماع جدة للطاقة (قبل شهر من وصول الأسعار إلى مستوى جنوني) لبحث موجة ارتفاع سعر النفط والتقى المستهلكون والمنتجون تحت مظلة منتدى الطاقة الدولي. وكان النقاش محتدماً نظراً لتباعد وجهات النظر حيث دافعت الولايات المتحدة عن المضاربين في أسواقها، وقالت إن سببها نقص الإمدادات.
لم يقتنع الأميركان بأن المضاربين لهم علاقة قوية بارتفاع الأسعار، وكانت أوبك في شد وجذب لإظهار الدليل بعد الدليل بأن المضاربات هي السبب. أسرد هذه القصة لإظهار مدى هيمنة المضاربين على السوق حتى وإن أنكر الأميركان ذلك. إن إمدادات النفط مهددة بالتراجع هذا العام ومع هذا فالأسعار لا تستجيب والسبب في ذلك هو: المضاربون.
إن المضاربين كانوا وما زالوا هم من يحددون اتجاه الأسعار وإذا أرادوا لها الصعود فسوف تصعد وإذا ما أرادوا العكس فسوف يحدث. ففي عام 2008 كانت الإمدادات كافية ولكنهم دفعوها للصعود، وفي عام 2011 كانت هناك مخاوف وقلق من عدم وجود نفط كاف في السوق بعد خروج إنتاج ليبيا بالكامل، وفي عام 2012 تم حظر النفط الإيراني واستجاب المضاربون ورفعوا الأسعار. وفي هذا العام الإمدادات مهددة بالانخفاض ولكنهم يدفعون الأسعار للهبوط ولا يتفاعلون معها.
ما الذي تغير وجعل المضاربين يتخلون عن مخاوفهم فجأة أمام أحداث جيوسياسية وأمنية مهمة قد تؤثر على إمدادات النفط؟ السبب هو أنهم وجدوا البديل في النفط الصخري وفي تغريدات وسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
إن المضاربين كانوا يستخدمون الأحداث الجيوسياسية كغطاء في السابق لرفع الأسعار، ولكن بعد أن وجدوا أن النفط الصخري الأميركي يستمر في النمو، حولوا مضاربتهم حول ما يحدث في السوق الأميركية، وإن كان إنتاج النفط الأميركي لن يعوض نقص الإمدادات من إيران وفنزويلا وغيرها نظراً لاختلاف نوعية النفوط. ويبدو أن الوضع سيستمر على هذا المنوال، وستبقى السوق تمشي في اتجاهات غير منطقية. وقد يعود المضاربون مستقبلاً إلى تقدير أوبك ونفطها وقد يتفاعلون بشدة مع ما يحدث فيها.
الأمر الآخر الذي يتفاعل معه المضاربون هذه الأيام هو حروب ترمب التجارية وتغريداته وسياساته، وغطت مخاوف نمو الطلب نتيجة الخلاف التجاري بين الصين والولايات المتحدة على كل المعطيات الأخرى وإن كان لا يوجد حتى الآن ما يظهر فعلياً أن الطلب ضعف أو سيضعف بالطريقة المتوقعة التي تصل إلى مليون برميل يومياً.
إن النفط كان ولا يزال قصة أميركية. وستظل الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيسي في سوق النفط وليست أوبك. وهي من يحدد أسعاره واتجاهاته وليست أوبك. إن أوبك ليست إلا عاملا مؤثرا كبيرا في السوق ولكن أميركا هي من تحدد كل شيء حوله. قبل أربع سنوات كان أحد التنفيذين الذين عاصروا أوبك يقول لي: «العم سام هو من يحدد سعر النفط وليست أوبك». وهذه خلاصة خبرته في القطاع. وكنت أقول له إن السوق تتأثر بالعرض والطلب، ولكن بدأت أميل إلى رأيه عندما أرى ما يحدث اليوم من أمر غير مفهوم.