د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

رسالة دول العالم إلى النظام الإيراني

توحَّدت معظم دول العالم في توجيه رسالة واحدة لنظام الملالي في إيران بسبب رعايته الإرهاب في العالم. ورغم تعدد مصادر هذه الرسالة، فإن مضمونها واحد؛ هو، وباختصار: «كفوا عن دعمكم الإرهاب في العالم، ولا تتدخلوا في شؤون الدول الأخرى».
المصدر الأول لهذه الرسالة كان البيانات الختامية التي خرجت بها القمم الثلاث التي عقدت في مكة المكرمة يومي 27 و28 رمضان الماضي. والمصدر الثاني تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب ووزير خارجيته لإيران بأن «تغير سلوكها الإرهابي تجاه دول العالم وتتخلى عن دعم ميليشيات الإرهاب». ولذا أصبحت إيران في شبه عزلة دولية فرضتها هي على نفسها، ولا يزال النظام الإيراني متمسكاً بسياسات قديمة لجعل إيران إمبراطورية في العالم تأمر وتنهى، متناسية أن عصر مثل هذه الإمبراطوريات قد زال بلا رجعة.
إن النظام الإيراني أخطأ في قراءة الواقع، واستمر في سياساته الخارجية المارقة في الوقت الذي حدثت فيه تغيرات كثيرة في العالم؛ منها تغير في الإدارة الأميركية، حيث جاءت إدارة الصقور إلى البيت الأبيض، وتم انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الذي جرى بين الاتحاد الأوروبي وأميركا من جهة؛ وإيران من جهة أخرى، وضعف الموقف الأوروبي، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحدثت تغيرات في منطقة الخليج العربي بقيام «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية في اليمن، وقويت المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج... كل هذه المتغيرات لم يأخذها النظام الإيراني في الحسبان، وكان من نتائج هذه المتغيرات فرض العقوبات الاقتصادية على إيران من قبل أميركا، وتبني الرئيس الأميركي دونالد ترمب سياسة تحجيم الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
ورغم أن دول العالم تناشد النظام الإيراني التخلي عن هذه السياسات التي تقف وراء أعمال العنف في مختلف دول العالم، فإن إيران لا تزال ماضية في سياساتها ودعمها الإرهاب؛ كما طالبها خادم الحرمين الشريفين في مؤتمرات القمم بمكة المكرمة قائلاً: «إن ما يقوم به النظام الإيراني من تدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وجيرانها، وتطور في برامجها النووية والصاروخية، وتقوم بالتهديد لحرية الملاحة العالمية؛ بما يهدد إمدادات النفط للعالم... يُعد تحدياً سافراً لمواثيق ومبادئ وقوانين الأمم المتحدة لحفظ السلم والأمن الدوليين»، مضيفاً أن دعم إيران الإرهاب خلال أربعة عقود وتهديدها الأمن والاستقرار بهدف توسيع النفوذ والهيمنة هو عمل ترفضه الأعراف والمواثيق الدولية...
من جهتها؛ جاءت تهديدات أميركا في التصريحات النارية التي يوجهها الرئيس ترمب ووزير خارجيته لإيران، وتأتي جميعاً في توقيت حساس للغاية، لأنها تتزامن مع بداية تطبيق مرحلة الحظر الكامل للصادرات، وذلك بتطبيق منع شراء البتروكيماويات... وهي رسائل شديدة اللهجة، تتضمن كذلك التهديد بالخيار العسكري ضد الأنشطة العدوانية لطهران وتهديداتها المستمرة ضد المنطقة، وهي تتوافق مع رسالة القمم الثلاث لإيران، وتعدّ رسائل ردع ستستمر أياماً عدة، وتؤكد أن الخيار العسكري تجاه إيران الذي ظل على الطاولة الأميركية لعقود طويلة لم يعد مجرد تهديد أميركي.
وبدلاً من أن يتجاوب النظام الإيراني مع هذه النداءات ويبدي مرونة لحلحلة تأزم الموقف، راح يكابر ويزيد الموقف خطورة عندما قام بضرب 4 سفن تحمل البترول في ميناء الفجيرة؛ واحدة منها نرويجية، وكذلك قام بضرب مضخات النفط في السعودية، وتم تقديم شكوى لمجلس الأمن من الدول الثلاث؛ السعودية والإمارات والنرويج، تتضمن أدلة على أن النظام الإيراني هو الذي قام بالأعمال الإرهابية، وتطلب محاسبته.
نتيجة لكل ذلك توفر المناخ الدولي المناسب لأميركا للتعامل مع تعنت النظام الإيراني وفق استراتيجية تكون نهايتها رضوخ النظام الإيراني وقبوله مطالبها الاثني عشر التي يتفق عليها أغلب دول العالم؛ بما فيها مطالب السعودية والإمارات. وها نحن في مرحلة متقدمة من هذه الاستراتيجية الأميركية؛ حيث بدأت مرحلة التهديد بالقيام بعمل عسكري يتضمن ضرب أهداف عسكرية محددة في إيران لتدمير البنية التحتية العسكرية لـ«الحرس الثوري» الإيراني، ولذا قامت أميركا بإرسال منظومة صواريخ دفاع جوي من نوع «باتريوت» وحاملة طائرات إلى منطقة الشرق الأوسط. وستنضم حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس أرلينغتون»، التي تحمل على متنها مركبات برمائية وطائرات مقاتلة، إلى حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» المتمركزة في مياه الخليج... جميعها رسائل توجه إلى النظام الإيراني الذي أخطأ في قراءة الواقع منذ البداية، واعتقد أن الرئيس الأميركي سوف تنتهي ولايته، ولذا فهو لا يزال يسلك سياسة التهديد بالحرب واللاحرب مع أميركا لكسب الوقت، ولا تزال إيران تعيش في وهم «مصدرة الثورات»، وهي في الواقع «مصدرة الإرهاب»، وقادتها لا يزالون يعيشون في «أحلام اليقظة» التي تجعلهم سادة العالم، ولذا إذا لم تصحُ إيران وتستجب لنداءات الدول المحبة للسلام التي بدأ صبرها ينفد، فإن معظم الدول حتى الكبرى منها كالدول الأوروبية لن تفعل شيئاً إذا ما أرادت الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري سوف تحدد الوقت المناسب للقيام به إذا لم ترضخ إيران للحلول السلمية.
وأخذت بعض الدول تبحث للقيام بوساطات لمنع قيام أي عمل عسكري؛ حيث بدأت ألمانيا واليابان تقومان بهذا الدور، وبدل أن تتجاوب إيران مع هذه الوساطات، راحت تهدد بالقيام بعمليات إرهابية ضد المصالح الأميركية؛ حيث صرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس في طهران، بأن «الحرب إذا بدأت فلن ينهيها أحد». جاء هذا التصريح أثناء لقائه وزير الخارجية الألماني ماس الذي بدوره لم يكن متفائلاً عندما قال في المؤتمر الصحافي: «الوضع في المنطقة قابل جداً للانفجار وخطير للغاية. أي تصعيد خطير للتوترات القائمة يمكن أيضاً أن يؤدي إلى تصعيد عسكري».
رغم أن الحرب لا يرغب فيها أحد، فإنها إذا قامت فسوف يكون النظام الإيراني هو المسؤول الأول والمتسبب بقيامها، لأنها نتيجة سياسات النظام الإيراني الخارجية في المنطقة؛ تلك السياسة التي تقوم على إيجاد إيران أذرعاً تابعة لها تدعمها بالأسلحة والمال للقيام بأعمال عسكرية، وهذا ما تحقق لها في سوريا، وعبر «حزب الله» في لبنان، و«الحشد الشعبي» في العراق، والحوثيين في اليمن. ولذا جاء الوقت لإيقاف هذا المشروع الإيراني الذي جعل المنطقة في دوامة من الحروب والصراعات التي لن تنتهي ما دامت تتلقى الدعم من إيران... فهل يستمع قادة إيران لصوت العقل والمنطق أم يستمرون في مشروعهم الإرهابي؟