جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

ليبيا ولصوص الذهب وعصابات التهريب

صخرة في المحيط الأطلسي، لا يزيد حجمها على عُشر مساحة ملعب كرة قدم، وجدت طريقها إلى وسائل الإعلام البريطانية، والآيرلندية. الصخرة اسمها «روك أول – Rockall»، وقد لا تختلف عن غيرها من الصخور البارزة في المحيطات، لكن هذه الصخرة، تحديداً، لحسن حظها، أو لسوئه، تمكنت من الانسلال من موقعها البعيد، في عرض الماء، وتربعت في نشرات الأخبار، وعلى صفحات الجرائد، لتكون موقعة لصراع سيادي، وجدال قانوني بين ثلاث حكومات: الحكومة البريطانية، والحكومة الآيرلندية، والحكومة المحلية الاسكوتلندية.
التقارير الإعلامية تقول إن بريطانيا وضعت أياديها على الصخرة عام 1955 مدّعية ملكيتها. وفي عام 1972 حوّلت الحكومة البريطانية تأكيد ذلك الادعاء رسمياً بإصدار قانون يؤكد أنها جزء من اسكوتلندا.
لكن هذا القانون قابلته الحكومة الآيرلندية بعيون التجاهل، معتبرة أن تلك الصخرة، وغيرها من الصخور، «لا أهمية لها»، في أيِّ ادعاء بملكية حقوق الصيد حولها، أو منافذ إلى موارد مثل الغاز والنفط في قاع البحر. هذا الرفض الآيرلندي وجد دعماً من اتفاقية للأمم المتحدة المتعلقة بقانون البحار والذي ينص أحد بنوده على أن «الصخور التي ليس بمستطاعها الحفاظ على سكن الإنسان بها، أو الحياة اقتصادياً بنفسها ليس لديها منطقة اقتصادية حصرية أو جرف قاري».
هذا الدعم القانوني، من المفترض أن يجعل الحكومة البريطانية مقتنعة، وما عليها سوى الامتثال لنصوص القانون الدولي، وسحب أياديها وادعائها بملكية الصخرة. لكنها بدلاً من ذلك، سعت إلى الالتفاف عليه بأن صممت خطة تقتضي إرسال مَن يعيش على الصخرة. وقامت فعلياً بإرسال أحد جنودها من القوات الخاصة للعيش على الصخرة، وحيداً، لمدة أربعين يوماً، لإثبات أن الصخرة جزيرة، وجزء من السيادة البريطانية.
المشكلة المثارة حول الصخرة سببها لجوء صيادين آيرلنديين إلى الصيد في مياهها الغنية بالأسماك في تجاهل كامل لاعتراضات السلطات المحلية في اسكوتلندا، وبدعم من حكومة دبلن، الأمر الذي اضطر الاسكوتلنديين إلى التهديد باستخدام القوة لمنعهم من الصيد.
وإذا كانت صخرة، في محيط، لا يعيش بها سوى الطيور، قد حظيت باهتمام ثلاث حكومات، وقد تكون سبباً في التجائها جميعاً إلى القضاء الدولي، وقبلها قد تقوم الحكومة البريطانية بإرسال قوارب عسكرية لمنع الآيرلنديين من استغلال ثرواتها البحرية، فماذا عن وطن يسكنه ستة ملايين نسمة، ومساحته قرابة المليوني كيلومتر مربع، لا يجد طريقه إلى وسائل الإعلام، ولا يجد من يتقدم ليدافع عنه، وعن حقوقه المنهوبة. أنا أقصد، تحديداً، ليبيا، التي ومنذ سنوات ثمانٍ، وحدودها منتهكة، براً وبحراً وجواً، وعلى مرأى ومسمع من حكومتيها، ومن المجتمع الدولي، ومنظماته العديدة. في الجنوب المفتوح على الصحراء وبلدان الساحل المجاورة، آلاف الأفارقة يقطعون الحدود ويدخلون البلاد، حيث يقومون بالتنقيب والبحث عن الذهب، نهاراً جهاراً، في عمليات نهب غير مسبوقة للثروة الثمينة، وفي انتهاك صارخ لقوانين السيادة الحدودية الدولية. الحدود المنتهكة، ذاتها، استقطبت الإرهابيين، وتجار المخدرات، وتجار السلاح، وتجار البشر، وتجار التهريب من كل فجاج أفريقيا، حتى تحولت حياة أهلنا في تلك البقاع إلى جحيم يصطلون بناره، دون أن تحرك حكومة طرابلس، أو حكومة برقة، إصبعاً، كأن الجنوب لا علاقة له بليبيا ولا يشكل جزءاً من سيادتها، ومن عمق صحرائه تمتد أنابيب النفط والغاز والماء إلى الساحل وسكانه.
وماذا عن الانتهاكات التي تحدث في أماكن غيرها، حيث تتعرض ثروات البلاد لعمليات نهب غير مسبوق. وتتاح لعصابات التهريب العديدة الفرص، للاغتناء غير المشروع، ولتعبث كما تشاء دون حسيب أو رقيب، حيث لا تتوقف شاحنات المهربين الضخمة عن تهريب السلع الغذائية المدعومة، وتهريب الوقود إلى الدول المجاورة، وبتواطؤ من جماعات مسلحة، تدفع الدولة مرتبات أفرادها، ليقوموا بواجب الحراسة والحماية، فصاروا حماة وحراساً للمهربين، واستحلّوا كل ما يمكن أن يحصلوا من ورائه على أموال يكتنزونها.
أليست تلك الصخرة، الوحيدة، في عمق المحيط، محظوظة، هي ومن يعيش بها من طيور، لتجد نفسها محاطة بالاهتمام، ومحطاً لانشغال حكومات؟