عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

إسلاموفوبيا؟ «هو احنا ناقصين؟!»

«هو احنا ناقصين؟!» تذكرت القول المصري يوم الخميس في أثناء مناقشة نواب مجلس العموم محاولة إعادة تعريف «الإسلاموفوبيا» لإدراجها في القانون الجنائي؛ ولحسن الحظ دعم النواب الحكومة في رفضها المشروع لعدم وضوح التعريف.
«احنا ناقصين؟!»، بعلامتي السؤال والتعجب، حكمة شعبية (لدينا ما يكفينا) في صيغة السؤال الاستنكاري عندما يضيف البعض قضية جديدة تعقد حل المشكلة الأصلية.
مشروع التعديل المبهم الصياغة أعدته مجموعة برلمانية من أحزاب وتيارات مختلفة، تتصدرها البارونة سعيدة وارسي؛ غير منتخبة ديمقراطياً لأي منصب، حصلت على مقعد في مجلس اللوردات بتوصية زعيم المعارضة وقتها ديفيد كاميرون في 2007، في أثناء موجة رفع نسبة تمثيل المسلمين، وجعلها وزيرة المجتمعات والشؤون الدينية في حكومة الظل. وبعد انتخابات 2010، منحت مناصب وزارية، آخرها الرئيسة التنفيذية للحزب حتى إقالتها في 2015، وحالياً تحت تحقيق إداري في الحزب.
المجموعة قدمت صياغة مبهمة، بإعادة التعريف المتداول (رغم أن الإسلاموفوبيا مصطلح رمزي غير دقيق، فالفوبيا مرض نفسي يشير للخوف من شيء أو موقف أو مكان، مثل الكلوستروفوبيا: أي الهلع من الأماكن المغلقة، كإغلاق باب غرفة مثلاً).
ينادون بإدراجها كجريمة يعاقب عليها القانون، كنوع من التفرقة العنصرية، فلماذا لا يقولون ببساطة «التفرقة ضد المسلمين»؟
لأنهم يريدون شعاراً لقضية وهمية، والقصد الخفي اختطاف المعاناة الحقيقية للمسلمين في بريطانيا لأغراض سياسية.
تهمة الإسلاموفوبيا بالتعبير المصري الدارج «كرسي في الكلوب»؛ أي تحطيم المصابيح (مفردها الدارج كلوب) لإطفاء الأنوار في أثناء الاحتفال بمناسبة.
ولأن هناك تيارات تتصارع على اختطاف المنصة، وادعاء تمثيل مسلمي بريطانيا، يوجه زعماء أدلجة الإسلام السياسي التهمة للخصوم، أو الانتقاد لنشاطهم، في ندوات مكافحة التطرف أو في الصحافة؛ مثل تهمة الكفر في المجتمعات الإسلامية لإخراس المعارضين.
«مفوضية حقوق الإنسان الإسلامية» في بريطانيا اتهمت أول وزير داخلية مسلم، ساجد جويد (من المرشحين لخلافة تيريزا ماي في زعامة المحافظين لأنه أكثر الوزراء التزاماً بالخط الثاتشري)، بالإسلاموفوبيا!
كما لصقت التهمة نفسها بعمدة لندن المسلم، صادق خان، الذي منع إعلانات البيكيني وساندويتشات لحم الخنزير من محطات المترو، مبرراً بأن الأولى إهانة للنساء، والثانية لمكافحة السمنة!
محاولتهم تقليد تعريف اليهود لمعاداة السامية جاءت بخلاصة مبهمة: «انتقاد أو السخرية من أو هجاء أو التفرقة ضد التعبير عن أي مظاهر وملامح إسلامية أو مرتبطة بالإسلام هو جريمة عنصرية».
تسلل تعبير الإسلاموفوبيا إلى اللغة قبل ربع قرن: «كراهية الإسلام والمسلمين، أو التحيز ضدهم، خصوصاً إذا اتخذت التفرقة طابعاً سياسياً»، في قاموس أكسفورد. وفي قاموس كمبريدج: «كراهية للإسلام والمسلمين، وتوجس منهما، أو تحيز غير مبرر ضدهما». وتعريف قاموس ويبستر يضع عبارة «غير منطقي» مع «الخوف من أو كراهية الإسلام، والتفرقة ضد ممارسي شعائره».
تعريفات قبلتها المحاكم للقدرة على محاسبة من يسيئون التعامل مع المسلمين، أو التفرقة ضدهم، مما يسهل على الادعاء إقناع القضاة بإدانتهم، حسب القوانين العادية في البلد.
التعريف الجديد الذي تلح عليه مجموعة تريد اختطاف حق تمثيل المسلمين، بتسييس الوضع، يصعب (إن لم يستحِل) وضعه في صياغة قانونية محددة.
وكلما حاولنا، كصحافيين، وضع أخبار إيجابية عن المسلمين على الصفحات الأولى، يفتعل نشطاء الإسلام السياسي والمتسلقون بأجندات خفية قضية جديدة تضع صورهم وأخبارهم بدل الأخبار الإيجابية. والنتيجة فقدان فرصة لتغيير صورة المسلمين السلبية الراسخة في الأذهان، فاثنان من كل خمسة بريطانيين يرون الإسلام «قوة سلبية في المجتمع»، وفق إحصائية معهد كوم - ريس (ComRes).
توقيت إثارة القضية هذا الأسبوع طمس خبراً إيجابياً، حيث يقدر مكتب الإحصائيات المالية (أيضاً هذا الأسبوع) أنه في شهر رمضان الجاري ستتجاوز تبرعات مسلمي بريطانيا للأعمال الخيرية مائة مليون جنيه (128 مليون دولار). خبر المناقشة البرلمانية، واحتجاجات عالية الصوت من الإسلام السياسي، أصبح اهتمام الصحافة، بدلاً من الخبر الإيجابي عن ملايين من تبرعات المسلمين للأعمال الخيرية، فظل ضمن إحصائيات المؤسسات المالية، بينما صوبت الكاميرات والميكروفونات نحو البارونة ولافتات الاحتجاج.
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تراجع خبر تبرع مسلمي بنسلفانيا بربع مليون دولار لضحايا الهجوم الإرهابي على الكنيس اليهودي في بيترسبروه، وضربهم سلسلة بشرية حوله لحماية المصلين اليهود، أمام انشغال الصحف باتهامات البارونة نفسها لحزب المحافظين بوجود إسلاموفوبيا داخل الحزب؛ وتزامن ذلك مع إثارة قضية قوانين الكفر الجديدة في باكستان، والهجوم على قرى المسيحيين في شمال نيجيريا... وهذه على سبيل الأمثلة، لا الحصر، فالخبر المثير (خصوصاً المحلي) والعنيف يغلب على الخبر الطيب صحافياً.
المشكلة الأكثر تعقيداً أن المجموعة نفسها تريد إدراج الإسلاموفوبيا تحت قوانين التفرقة العنصرية، وهو أمر وجد المحامون وممارسو القانون بين البرلمانيين صعوبة بالغة في إيجاد تعريف واضح له.
فهناك مسلمون أفارقة، وآخرون آسيويون، وهناك مسلم سويدي أبيض، وآخر من الصين، وثالث من أميركا اللاتينية.
فهل يمكن أن تكون العقيدة أو الديانة سلالة بشرية أو مجموعة عرقية؟
خانة الانتماء العرقي في استمارات المستشفيات الطبية ضرورية لأسباب علمية، وهي تفاوت تأثير الأدوية حسب التركيبات الجينية، أما خانة الديانة في الاستمارة فهي اختيارية لأسباب تتعلق بما إذا كان بعض المرضي يفضل زيارة رجل الدين لدعمه معنوياً، أو اختيار وجبات الطعام المباحة أو المحرمة وفق معتقداته.
القانون والقضاء يتعاملان بتعريفات دقيقة علمية، مثل نموذج المستشفيات، أما التعريفات المبهمة فتنفع رجال السياسية للتهرب من الوفاء بوعدهم، لكنها لا تصلح لإثبات التهمة على شخص معادٍ فعلاً للمسلمين.
قبل بضعة أشهر، تعرض المذيع الصحافي المسلم ماجد نواز للاعتداء في أثناء انتظاره في طابور المسرح.
المعتدي يساق للعدالة بتهمة التعدي، كجنحة يعاقب عليها القانون، قبل ظهور تعبير الإسلاموفوبيا بعقود طويلة.
تخيل لو جرت المحكمة حسب التعريف المقترح للإسلاموفوبيا؟
سيترافع محامي المتهم بأن مظهر نواز لا يميزه كمسلم عن أي ديانة، فهو ببذلة أنيقة مثل بقية حضور المسرح، ويخرج المعتدي براءة بعد إقناع المحامي القاضي والمحلفين بأنه لم يعرف دين الطرف الآخر مسبقاً.
فهل نرى اليوم الذي يترك فيه النشطاء سياسياً ومدعو تمثيل المسلمين (دون أن ينتخبهم أحد) مسلمي بريطانيا «اللي موش ناقصين مشاكل» في حالهم، ويتاح لنا كصحافيين نشر أخبار الأفعال الطيبة، وهي عددياً أضعاف السلبيات؟