د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

«أوبر» وهبوط اليوم الأول

لم تستطع «أوبر» إسعاد مستثمريها في أول يوم تداول في السوق الأميركية الأسبوع الماضي، فبعد طرحها للاكتتاب بسعر ٤٥ دولارا للسهم، انخفض سعر السهم في اليوم الأول بنسبة ٨ في المائة ليصل إلى ٤١.٥٧ دولار. ويعد هذا الإقفال ثامن أسوأ أداء في تاريخ الشركات الكبيرة في الولايات المتحدة لأول يوم تداول. وبعد أن حُدد سعر سهم الشركة بين ٤٤ و٥٠ دولارا للسهم، تمكنت الشركة المقيـَّمة باثنين وثمانين مليار دولار من جمع ٨.١ مليار دولار بطرح ١٨٠ مليون سهم بسعر ٤٥ دولارا في ثاني أضخم طرح أولي بعد شركة «فيسبوك» العام ٢٠١٢. ورغم أن أسهم الشركة لم تُتداول إلا ليوم واحد فقط، فقد أثار هذا الانخفاض المخاوف من مستقبل أداء السهم. وارتبطت هذه التوجّسات بالشركة المنافسة لأوبر «ليفت» والتي طرحت للاكتتاب في مارس (آذار) الماضي باثنين وسبعين دولارا للسهم، لينخفض بعدها بشكل مستمر حتى وصل سعر السهم الآن إلى ٥١ دولارا.
ولا يستغرب أبدا التذبذب في أسعار الأسهم في أول فترات تداولها في سوق الأسهم بعد الاكتتاب، وحتى يصل سعر السهم إلى ما يسمّى بـ«السعر العادل»، يحتاج هذا السهم إلى فترات من التذبذب تصل به إلى مرحلة الاستقرار. بل إن للشركات المطروحة نفسها دورا في هذا التذبذب، فحتى تضمن الشركات بيع كل أسهمها المطروحة عند الاكتتاب، تُحدد سعر السهم بأقل من القيمة المقترحة حتى يكون سعر السهم مغريا للمستثمرين، وهو تكتيك يعرف باسم «ترك المال على الطاولة» عند الماليين. وبهذا الإجراء، يكون الفارق بين السعرين خسارة للشركة، إلا أنها خسارة ترضى بها الشركة في مقابل تغطية اكتتابها، وأوضحت دراسة أجريت على ٨٠٠٠ شركة في السوق الأميركية ما بين عامي ١٩٨٠ و٢٠١٤ أن سعر الطرح للسهم عادة ما يكون أقل من سعر التقييم بنسبة ١٨ في المائة. ولأن بعض المستثمرين يعرفون هذا التكتيك جيدا، فهم يتوقعون أن يجنوا ربحا سريعا عند أول يوم للتداول، فيقوم الكثير منهم بعرض أسهمهم للبيع، وفي حال لم تكن هناك شهية للمتداولين في شراء السهم، فإن مصير سعر السهم إلى انخفاض بلا شك، ويبدو تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المرتبطة بالحرب الاقتصادية مع الصين أفسدت شهية المستثمرين في سوق الأسهم الأميركية، فقد شهدت السوق أسوأ أسبوع لها في العام ٢٠١٩، وتضررت بذلك «أوبر» ذات الحظ السيئ التي قد يكون هذا التفسير أحد المبررات لانخفاض سهمها في أول يوم تداول.
ولا يقاس أداء الأسهم في أول فترات التداول على الإطلاق، فالمتغيرات المؤثرة في هذه الفترة كثيرة، ودخول المستثمرين بهدف البيع السريع يؤثر في تداول الأسهم بشكل واضح، ولعل أقرب الأمثلة على ذلك، هما شركتا «إي باي» و«فيسبوك»، وهما شركتان تقنيتان يمكن قياس «أوبر» عليهما إلى حد ما. فحين طرحت شركة «إي باي» للاكتتاب في نهاية التسعينات، حُدد سعر السهم بين ١٤ و١٦ دولارا، إلا أن الشركة رأت أن شهية المستثمرين للشراء قد تكون أكبر من المتوقع، فزادت سعر الطرح إلى ١٨ دولارا، وما حدث بعد ذلك في أول يوم تداول أن شهية المستثمرين كانت أكبر من المتوقع، وتم تداول أكثر من ٤.٥ مليون سهم ليصبح سعر إغلاق السهم في يومه الأول أكثر من ٤٧ دولارا! أما «فيسبوك» فقد طرحت سهمها للتداول بسعر ٣٨ دولارا للسهم، لينخفض بعد أسبوعين من التداول إلى ٢٧ دولارا ويستمر في الانخفاض في الأربعة أشهر التالية ليصل إلى ١٩ دولارا للسهم، أي ما يقارب نصف سعر الطرح الأولي. ولكن ما حدث بعد ذلك أن السهم استمر بالارتفاع بشكل مطّرد، وهو الآن بأكثر من ١٨٨ دولارا للسهم الواحد!
ويبقى المقياس الأهم عند شراء سهم الشركة هو مستوى القناعة بها، فمن يعتقد أن مستقبل «أوبر» مشرق وأن إدارتها قادرة على إدارتها بشكل يجعلها شركة رابحة في المستقبل، لن تتغير قناعته بسبب أداء أول يوم في التداول، ولعل «فيسبوك» أكبر مثال على ذلك، أما من يبحث عن الربح السريع فقد لا تزيد «أوبر» بالنسبة له عن محطة لجني المال بشكل سريع. وما قد يبدو الآن محبطا لمتابعي «أوبر»، قد يبدو فرصة للبعض الآخر، فسعر الخمسة والأربعين دولارا لم يأت من فراغ، وقيمة السهم الآن أقل من القيمة المقترحة، مما يعني فرصة للشراء. والشواهد تزيد من احتمالية أن يكون سعر سهم الشركة خلال السنوات المقبلة أكثر من ٤٥ دولارا، وبكثير.