إيلي ليك
TT

ترمب لن يترك إردوغان يفلت بفعلته

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الثلاثاء الماضي، عن خطة غريبة وجديدة تتعلق بتعزيز الديمقراطية في بلاده، نظراً لأن سكان مدينة إسطنبول قد صوتوا للحزب الخطأ كي يتولى السلطة، وأن هناك انتخابات جديدة سوف تُعقد في مدينة إسطنبول.
وإثر مزاعم بالغش الانتخابي والمخالفات الكثيرة، قرر حزب العدالة والتنمية، حزب إردوغان الحاكم، إلغاء نتائج الانتخابات السابقة والإعداد لإعادة التصويت في انتخابات بلدية إسطنبول خلال الشهر المقبل، وهي المدينة التي خسر الحزب الحاكم الانتخابات فيها خلال شهر مارس (آذار) الماضي لصالح ائتلاف مكون من أحزاب المعارضة. وهو موقف غير مقبول ويتعذر الدفاع عنه من جانب حزب إردوغان ذي التوجهات الإسلاموية الواضحة، الذي يعتمد على المحسوبية التي تتأتى من السطوة والسيطرة على الحكومات المحلية والبلديات.
بيد أن الانتخابات الجديدة هي من الأمور غير المقبولة تماماً بالنسبة إلى عموم سكان البلاد التي اندلعت فيها الاحتجاجات المناهضة لقرار الحزب الحاكم، في أعقاب الإعلان سالف الذكر، وكثير من المواطنين الأتراك الذين لم يكونوا من المعارضين السابقين لرئيس البلاد (بما في ذلك كثير من الشخصيات البارزة ومشاهير المجتمع التركي) باتوا منحازين لصفوف المعارضة الواسعة الآن. وأعلن الرئيس التركي الأسبق عبد الله غُل، وهو المؤسس المشارك لحزب إردوغان الحاكم، عن معارضته الصريحة لقرار إعادة الانتخاب في إسطنبول. وتقول وسائل الإعلام التركية إن السيد عبد الله غُل، جنباً إلى جنب مع وزير المالية التركي الأسبق علي باباكان، يخططان للانفصال عن إردوغان وتشكيل حزب سياسي جديد.
وكانت هناك إدانة دولية قوية كذلك ضد القرار التركي، مع إدانات أخرى صادرة عن عدد من وزراء خارجية بعض البلدان الأوروبية، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي نفسه.
وفي غياب واضح لصوت الإدارة الأميركية الحالية، يبدو الصمت الصادر عن واشنطن، كما لو أن الإدارة الأميركية تريد لإردوغان البقاء في السلطة إلى الأبد، كما يقول إلهان تانير، المحرر التنفيذي لموقع «أحوال» الإخباري التركي: «لقد حان الوقت كي تدلي إدارة الرئيس الأميركي ببيان قوي».
وربما تعكس الاستجابة البطيئة من جانب واشنطن الحاجة إلى توجيه الاهتمام نحو مجال آخر. فمنذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما أعلن الرئيس الأميركي انسحاب قواته العسكرية من سوريا في أعقاب مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي، تركزت جهود الدبلوماسيين والجنرالات الأميركيين على الحصول على تعهد من إردوغان بعدم مهاجمة الأكراد السوريين، الذين يعتبرون من أوثق حلفاء الولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي هناك. وحتى يومنا هذا، وكما أخبرني كثير من المسؤولين، لم يقطع إردوغان على نفسه مثل هذا التعهد قط. وفي الأثناء ذاتها، انخرطت وزارة الدفاع الأميركية في حملة غير مكللة بالنجاح حتى الآن لإقناع الجانب التركي بعدم المضي قدماً في شراء منظومة «إس - 400» للدفاع الجوي الروسية المتقدمة.
ولكن في حين أنه من المفهوم أن الانتخابات المحلية التركية لن تكون على رأس الأجندة السياسية الأميركية مع الحكومة التركية، فإنها من الخطوات التي لا يمكن أن تمر مرور الكرام.
فهناك في الآونة الراهنة تأييد واسع النطاق داخل تركيا لإيقاف مساعي إردوغان لتعزيز قبضته على السلطات في البلاد. ويعد الدعم الأميركي للمواطنين الأتراك المعارضين لحزب العدالة والتنمية في مغالطاته الانتخابية الأخيرة من الرهانات الذكية؛ فليس من شأن الدعم الأميركي المحافظة فقط على المصداقية مع الحكومة التركية المقبلة بعد إردوغان، وإنما يؤدي أيضاً إلى إضعاف موقف الرئيس الحالي التي تحول إلى حليف غير موثوق به من قبل واشنطن.
وإبان إدارة الرئيس الأسبق أوباما، سمح إردوغان لتنظيم داعش الإرهابي باستخدام أراضيه عند المناطق الحدودية في إنشاء خطوط تجنيد وتعبئة المقاتلين الجدد والأجانب الوافدين من أوروبا للانضمام إلى «داعش» وخلافته الموهومة. واقتبس إردوغان صفحة من كتاب قواعد اللعب السياسي الإيراني محاولاً الحصول على بعض التنازلات الغربية، عن طريق احتجاز الرعايا الأجانب لديه. وهو يحاول التودد إلى روسيا الآن من خلال شراء منظومة الدفاع الجوية الروسية المتطورة غير المتوافقة تماماً مع نظم التسليح المعمول بها في منظمة حلف شمال الأطلسي التي تعد تركيا من أبرز أعضائها. ولا يزال إردوغان رافضاً التعهد بعدم التعرض للأكراد السوريين الذين عاونوا واشنطن في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في سوريا.
ومن شأن تركيا، في غياب إردوغان، أن تشكل قدراً لا بأس به من التحديات للسياسات الخارجية الأميركية. بيد أن العنصر المثير للإزعاج المستمر والمسبب لتوتر العلاقات بين البلدين سيكون قد اختفى من المشهد السياسي التركي حينذاك. وليس لزاماً على الولايات المتحدة التدخل المباشر في الشؤون السياسية الداخلية التركية. بل إنها تحتاج فقط إلى الاستماع لأصوات الملايين من المواطنين الأتراك، بما في ذلك حلفاء إردوغان السابقون، وما يقولونه في الآونة الراهنة. وتلك واحدة من الحالات التي تتسق فيها القيم والمصالح الأميركية ضمن نسيج وإطار واحد.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»