كارل سميث
TT

النظرية المفسِّرة لحرب ترمب التجارية

يبدو في كثير من الأحيان أن الرئيس دونالد ترمب، هو ألدّ أعداء نفسه عندما يتصل الأمر بالتجارة مع الصين. كما يبدو أن رفع الرسوم الجمركية من جانب واحد، كما يهدد السيد ترمب، هو أشبه بإيقاع العقوبات على المستهلك الأميركي جراء سوء السلوكيات الصينية.
ويرى أغلب خبراء الاقتصاد أن الرسوم الجمركية المنخفضة أكثر فائدة لاقتصاد الولايات المتحدة، حتى وإن لم تتعامل الصين بالمثل. ويقول الخبراء إن الاقتصاد العالمي سوف يكون أكثر قوة ومرونة إن انخفضت الرسوم الجمركية بصورة شاملة. بيد أن هناك حفنة من خبراء الاقتصاد يعارضون تلك الرؤية – ويمكن إفرادهم بين مدرستين أساسيتين من مدارس الفكر الاقتصادي، وربما تقدم إحداهما بعض التلميحات المفسِّرة لاندفاعات وتهور الرئيس الأميركي على الصعيد التجاري.
تُعرف أول مدرسة باسم «المذهب التجاري الجديد». وأنصار هذا المذهب، ومن أبرزهم بيتر نافارو مستشار الرئيس ترمب، يَعتبرون العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين سيئاً للغاية بطبيعته. وحيث إن الواردات تُطرح مباشرةً من الناتج المحلي الإجمالي في حين أن الصادرات تُضاف فوراً إليه، كما يقول السيد نافارو، فمن شأن اقتصاد الولايات المتحدة أن يكون قوياً وراسخاً مع انخفاض الواردات وارتفاع الصادرات.
ولكن قوة الاقتصاد الأميركي، كما يشير خبراء الاقتصاد التقليديين، تتحدد في خاتمة المطاف بالقدرة الإنتاجية للعمال والشركات. والحد من الواردات يؤدي ببساطة إلى رفع الأسعار على المستهلكين والشركات الأميركية. وتؤدي الأسعار المرتفعة بدورها إلى الإقلال من إنفاق المستهلكين، وبالتالي انخفاض الاستثمار، وتحييد أي مكاسب يحققها الناتج المحلي الإجمالي، وترك المستهلكين الأميركيين في وضع لا يُحسدون عليه.
أما المدرسة الثانية من مدارس الفكر الاقتصادي، ونطلق عليها أنصار الاتفاقيات الثنائية، فهي تطرح رؤية أكثر دقة من نظيرتها. وأنصار هذا المذهب، ومن أبرزهم البروفسور جون ناي من جامعة جورج ماسون الأميركية، لديهم نقد يحمل قدراً معتبراً من التعقيد والتفصيل لنمط التفكير التقليدي في التجارة الحرة. ومن الأفكار الأساسية المطروحة أنه من الأفضل عدم النظر إلى الأمم على اعتبار أنها كيانات واحدة وموحدة، وإنما على اعتبار أنها مجموعة من المصالح الخاصة المشتركة. ويمكن لتلك المصالح الخاصة أن تمارس بعض الضغوط على السياسيين، ومن ثم تسفر عن تخريب الجهود الرامية إلى زيادة التجارة.
والغاية من المحادثات التجارية، وفقاً لرؤية هذه المدرسة، تتعلق بموافقة كل طرف على التخلي عن مصالحه الخاصة لقاء تخلي نظرائه عن مصالحهم الخاصة سواء بسواء. أما المفاوضات التجارية متعددة الأطراف، على غرار اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، فتسفر في أغلب الأحيان عن العكس تماماً: أي أن المصالح الخاصة لكل دولة، على نحو ثابت، تملك حق النقض (الفيتو) إزاء الاتفاقية بأكملها.
وبالتالي، تتعرض الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف لمزيد من الاستثناءات التي تقوّض التجارة الحرة. ويشير السيد ناي إلى الاتحاد الأوروبي كمثال على مثل هذا النوع من الترتيبات.
وهذا النمط من «التجارة الحرة لأجلك ولكن ليست لأجلي» بات متكرراً من خلال الجولات المتتالية من المفاوضات التجارية. والنتيجة النهائية أن المنافسة المتزايدة من التجارة الحرة تتركز على أدنى القطاعات الاقتصادية من حيث الأفضلية، في حين تتركز الحمائية على القطاعات الاقتصادية الأعلى من حيث الأفضلية.
أما المفاوضات الثنائية فهي تعيق هذا النمط تماماً. إذ يمكن للمفاوضين استخدام المحادثات كوسيلة خارجية من وسائل الضغط بغية الإقلال من أو تحييد سطوة المصالح الداخلية الخاصة.
ومن الناحية النظرية، فإن هذا يعني أن الضرر الواقع على المدى القصير والناجم عن مفاوضات ترمب التجارية قد يكون في الحقيقة مصدراً من مصادر القوة: وذلك من خلال تعريض الاقتصاد الأميركي إلى تكاليف القيود التجارية، ويحاول الرئيس في الأثناء ذاتها زيادة توافق الآراء بشأن التجارة الحرة، وتخفيض السطوة النسبية التي تملكها المصالح الخاصة. وفي الواقع، أظهرت استطلاعات الرأي أن ثقة الشعب الأميركي في مكاسب التجارة قد بلغت ذروتها على الإطلاق.
ومرة أخرى، فإن نظرية الاتفاقيات الثنائية معقّدة للغاية، ولست أحاول القول بأن الرئيس ترمب سوف يُدخلها حيز التنفيذ. وعندما توجهت بسؤالي إلى السيد ناي عما إذا كان يعتقد أن الرئيس ترمب يتصرف اتساقاً مع نظريته، اعترض قائلاً: إنه لا يرى ذلك، ولكنه استطرد يقول: «يحظى ترمب بغريزة رجل الأعمال التي تشعره بأن هناك أمراً غير صحيح تماماً في اتفاقية من الاتفاقيات».
والسؤال النهائي هو عما إذا كانت مقاربة الرئيس ترمب سوف تحل محل الوضع الراهن في الاتفاقيات التجارية بشيء هو أفضل للجميع. وقال السيد ناي إنه ليست لديه فكرة عن ذلك البتة. ومما يؤسَف له، بالنسبة إلى اقتصاد الولايات المتحدة والأسواق العالمية، ليس هناك مَن يعرف أيضاً.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»