د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

الجزائر شأنٌ جزائري وأكثر

تباينت المواقف في توصيف استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، التي تبدو لنا قد احترمت إرادة الشعب الجزائري ولم تزجّ بالجزائر في سيناريوهات العنف وعدم الإصغاء للواقع. لذلك فإنه بلفت النظر عن نقاط كثيرة يظل بيان الاستقالة خطوة جيدة، حتى وإن اعتبرها بعض أو كثير اضطراريةً ومكرهة.
ولكن طابعها الاضطراري لا ينكر كونها خطوة أنتجها العقل.
أيضاً هناك نقطة أخرى تتكرر عند بعض عناصر المتظاهرين التي تلحّ على أن ما يحدث في الجزائر شأن جزائري خالص، ولا يهمّ ولا يمسّ أي طرف مهما كان. في الحقيقة لا شك في أن الشأن جزائري والقرار جزائري والحل جزائري، ولكن الجزائر بلد له وزنه في المنطقة المغاربية وفي الخريطة العربية الإسلامية، ومن ثم فإن الجزائر لا تهم الجزائريين فقط، وذلك من منظور أهميتها ووزنها لا من منظور الوصاية أو التبعية.
فالجزائر ما بعد بوتفليقة شأن جزائري وأكثر.
من جهة ثانية، فإن ما يحدث في الجزائر الآن وما سيعرفه المسار الانتقالي فيما بعد حقبة بوتفليقة إنما يشكل محركات رئيسة للتفكير في الأسئلة التي يثيرها المسار نفسه والملابسات التي أدت إلى قرار الاستقالة.
فالسؤال الكبير في هذه اللحظة الجزائرية: هو كيف سيكون دور الجيش الجزائري الذي اختار أن يكون في صف الشعب الجزائري، وأحدث باختياره فارقاً كبيراً عجّل باستقالة الرئيس. وبهذا الموقف الذي اتخذه الجيش يكون قد جدد مضمون مصداقيته وشرعيته، حيث إنه يتمتع باعتبارية خاصة مصدرها دوره في تحرير الجزائر ودوره في الحرب على الإرهاب التي ذهب ضحيتها 200 ألف جزائري. والآن يقوم الجيش بعد مراقبة إيقاع احتجاجات الشارع الجزائري بالاستجابة وراء مطلبه الخاص برفض ترشح بوتفليقة للرئاسة في ولاية خامسة وأيضاً رفض تأجيله الانتخابات بعد التعهد بعدم الترشح.
طبعاً هناك أصوات تنادي بأن دور الجيش هو البقاء في الثكنات، وتحاول غض الطرف عن إسهام مساندته للشعب في استقالة بوتفليقة. ويبدو لنا أن هذه الدعوة تفتقر إلى الرؤية السياسية، إذ يكفي التفكير في أسباب إعلان الجيش عن مناصرته للشعب لنفهم أن تلك الأسباب نفسها ستجعله يؤطِّر المرحلة الانتقالية ولا يتهاون في إدارة ظهره لا سيما أن مناصرته للشعب هي من أجل منع أي انزلاق للاحتجاجات ولحماية الجزائر.
نقطة أخرى تتمثل في التساؤل عن موقع الإسلام السياسي في المرحلة الانتقالية، وإلى أي مدى سيتم استثمار حدث التغيير ومحاولة الاستفادة منه للعودة إلى الحكم؟ بمعنى آخر، فإن مرحلة ما بعد بوتفليقة ومن منظور ما تحمله من وعود ديمقراطية حقيقية فإنها ستحرك حلم الحكم عند الإسلاميين الذين يتمتعون بخزان اجتماعي كبير في الجزائر، ناهيك بأن النخب المؤطرة للاحتجاجات تفتقر إلى التجربة وغير معلوم مدى توفقها في كسب صوت الناخب الجزائري.
ليس من الحكمة عدم الاستفادة من الدروس التونسية والمصرية والليبية والسورية حتى وإن اختلفت السياقات والملامح والظروف. ذلك أن المرحلة الانتقالية ستكون مرحلة اكتشاف النقائص والعيوب والثغرات، ويمكن الاختصار في هذه الاكتشافات حجماً وزمناً إذا ما نجحت النخب في استخلاص الدروس، مع العلم أن عملية الاستخلاص هذه لا تعتدي ولا تحرم الجزائريين من حقهم في التجربة والخطأ، ولكن هناك فرق بين خطأ وخطأ. كما لا يفوتنا أن للجزائريين دروسهم المكتوبة بالدم الغزير ولا يصح نسيانها.
من ناحية أخرى رأينا كيف أن مرحلة الانتقال الديمقراطي لا تخلو من اضطرابات اجتماعية، وأنها مرحلة تقدم فيها كل الفئات الاجتماعية مطالبها وتحاول أن تنال مكتسبات التغيير وأن تنخرط في البحث عن الاعتراف حقوقياً وتشريعياً، وهو ما قد ينتج عنه تعطيل لحركة البلاد اقتصادياً، باعتبار أن مراحل التغيير، كما رأينا في تونس مثلاً، لا تشجع رأس المال الوطني وحتى الأجنبي، لأن المرحلة في طورها الانتقالي وسيل المطالب الاجتماعية في عنفوانه ورأس المال لا يناسبه إلا الوضع المستقر.
بالنظر إلى كل هذه المنطلقات والتساؤلات فإن الجزائر شأن جزائري لا ريب في ذلك، ولكنها أيضاً شأن مغاربي وعربي إسلامي وتحديداً في النقطتين اللتين ركزنا حولهما وهما: دور الجيش، وموقع الإسلام السياسي في الجزائر في المرحلة الانتقالية. وكما نرى فإن التحديات الحقيقية في الجزائر قد بدأت الآن، وهو ما يجب أن توليه النخب الجزائرية الحالمة بجزائر حرة وناجحة تنموياً أكثر من الاهتمام برحيل أسماء بعينها، لأنه عملياً النظام رحل رمزياً بإعلان بوتفليقة الاستقالة، والجيش الذي اصطف بجانب الشعب ضد بوتفليقة لن يميل لبقايا النظام.
فالكرة الآن في شباك قوى التغيير والحالمين بجزائر مختلفة، ولا ننسى أن الحالمين بجزائر مختلفة كثيرون ولا يجمعهم نفس الحلم. فأيُّ حلم سيهيمن على مرحلة الانتقال الديمقراطي؟