مارك بوكانان
TT

التغيّرات المناخية والتنمية المستدامة

عام 2015، أقرت الأمم المتحدة 17 هدفاً للتنمية المستدامة جديرة بكل تقدير، وذلك بهدف معاونة الإنسانية على بناء مستقبل أفضل يتضمن تقليص التفاوتات، والقضاء على الفقر المدقع وتناول قضية التغيّرات المناخية. وأملت الأمم المتحدة في تحقيق هذه الأهداف جميعاً بحلول عام 2030.
في بعض المجالات، حققنا بالفعل تقدماً مبهراً، ومع هذا، من الواضح أن فكرة أننا قد نتمكن من إنجاز جميع الأهداف المقررة بحلول عام 2030 تنطوي على قدر كبير من الخيال، خصوصاً أننا لم نحقق أي تقدم على الإطلاق على صعيد تناول قضية التغيّرات المناخية، مع استمرار تفاقم معدلات انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وثمة مشكلة أعمق كذلك؛ إن إحراز تقدم نحو تحقيق هدف ما قد يعيق اتخاذ تحركات، بل وربما يسبب تراجعاً على أصعدة تتعلق بأهداف أخرى. إلا أنه لحسن الحظ، حسبما كشفت دراسة جديدة، فإن السعي وراء تحقيق بعض الأهداف قد يثير عدداً أقل من الصراعات عن السعي وراء إنجازات أخرى. وعليه، فإن اختياراتنا المرتبطة بالأولويات قد تخلق اختلافاً كبيراً.
وليس من الغريب للدهشة أن نعلم أن بعض هذه الأهداف يتعارض مع البعض الآخر، فمثلاً باستطاعتنا الحد من الجوع عبر زيادة كثافة جهود الزراعة، لكن فعل ذلك سيؤدي بصورة شبه مؤكدة إلى تفاقم الضغوط على البيئة.
أما المهمة الصعبة، فهي استغلال بيانات حقيقية لجعل هذه الارتباطات أكثر وضوحاً. وقد توصل عالما البيولوجيا ديفيد لوسو وفرانشيسكا مانشيني، من جامعة أبردين، إلى سبيل لإنجاز ذلك، وذلك عبر استغلال بيانات جمعتها الأمم المتحدة والبنك الدولي على مدار 25 عاماً. واستخدم لوسو ومانشيني البيانات، التي تكشف مدى التقدم الذي جرى إحرازه باتجاه كل هدف من الأهداف الـ17، بهدف تحديد علاقات الارتباط، سواء إيجابياً أو سلبياً، بين الأهداف لدى مقارنة بعضها ببعض. وبذلك، خلص العالمان إلى صورة عامة تقوم على البيانات تتضمن الكيفية التي تتفاعل بها جميع الأهداف مع بعضها.
وتطرح الصورة التي صاغها العالمان بعض الأمور الواضحة، لكنها تحمل كذلك بعض المفاجآت. وبوجه عام، هناك ثلاث نتائج مهمة تتمخض عنها الصورة:
أولاً: هناك اختلافات كبرى بين الدول الغنية والفقيرة، علاوة على أن الأهداف المتنوعة يتفاعل بعضها مع بعض على نحو مختلف داخل كل من الإطارين. داخل الدول منخفضة الدخل، يتمثل الهدف الأكثر نفعاً - بمعنى أنه الهدف صاحب التأثير الإيجابي على جميع الأهداف الأخرى - في الحد من الفقر. على النقيض، نجد أنه داخل الدول ذات الدخول المرتفعة، يكمن الهدف الأكثر نفعاً في تقليص التفاوتات. في كلتا الحالتين، من المحتمل أن تكون هناك آلية متشابهة فاعلة، حسبما لمح لوسو في رسالة بعثها إلي عبر البريد الإلكتروني.
تتمثل النتيجة الثانية المهمة في أن الوضع داخل الدول ذات الدخول المنخفضة لا يبدي أي مؤشرات على وجود صراعات على الإطلاق. في الواقع، الجهود الرامية لإحراز تقدم على صعيد أي من الأهداف التنموية الـ17 المستدامة تسهم في تحقيق تقدم نحو باقي الأهداف جميعاً. ويبدو هذا أمراً مشجعاً لأنه يشير ضمنياً إلى أنه لا تزال هناك مساحة لتحقيق تقدم سهل داخل الدول الأكثر فقراً، وأن الجهود المستمرة تسهم في بناء الاستدامة بصور عدة.
والنتيجة الثالثة تشير إلى أن جهود الدول ذات الدخول المرتفعة لمكافحة التغيّرات المناخية تميل لترك بعض التداعيات السلبية على جميع الأهداف التنموية المستدامة الأخرى. ويبدو أن السبب وراء ذلك أن نظام إنتاج الطاقة لدينا واستهلاكنا للطاقة يشكلان عنصراً محورياً في جميع النشاطات البشرية التي نضطلع بها لدرجة أن أي خطوة تقريباً نحو تغيير هذا النظام تحمل معها تكاليف مهمة على المدى القصير، وتعيق قدرتنا على تحقيق أهداف أخرى. وللأسف الشديد، فإن البيانات التي جرى تجميعها على امتداد الأعوام الـ25 الماضية لا تكشف عن مسار يخلو من الصراعات للمضي قدماً نحو تناول قضية التغيّرات المناخية.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»