كنت قبل سنوات أعد ليلة رأس السنة عيدا، وأحتفل به متأملة أن العام المقبل والذي تفصلني عنه لحظات سيحمل الجديد ويفتح أبوابا أقف على أعتابها.
لكني اقتنعت عاما تلو الآخر أن ما يفصلني فعليا عن «العام الجديد» هو دقائق وهي نفسها التي تمر في كل الأوقات.. لا يتوقف الزمن للحظة.. لا يطلع الفجر أبكر.. ولا يتوقف المطر هنا في لندن تقديرا للعام الجديد، ولا عدادات الغاز والكهرباء تتوقف عن الدوران، ولا الجنود المرابطون في كل مكان من العالم يضعون أسلحتهم على الأرض احتراما لهذا العام، ولا المقاتلون يوقفون مواجهاتهم، ولا السياسيون يراجعون ما سبق وأن قرروه العام الماضي من خطط عمل سواء على المدى القصير أو البعيد، لأن عاما جديد حل. فما هي أهمية الاحتفال؟
وهل هناك فعلا شيء ما اسمه «عام جديد»؟
تراودني الكثير من الإجابات أهمها أنه فقط جدول اتفق عليه البشر لتنظيم أعمالهم، وتحديد التواريخ لتساعدهم في إدارة هذا الكون. لكن قدومه لا يحمل فارقا حسيا ولا معنويا.
هو زمن يحسب علينا من أعمارنا.. ونحتفل.. بالقادم الجديد الذي لا نعرف ما الذي يخبئه لنا، ونتعايد ونتبادل البطاقات والهدايا بابتسامات لا صدق فيها، لأننا فعليا لسنا سعداء، بل القلق فينا متواصل، والعالم كما هو يسير على نفس الوتيرة.
وفي حين يرى البعض أنه فرصة لمراجعة النفس حول ما أنجزته وما أخطأت فيه، أرى أن من ينتظر عاما كاملا ليراجع نفسه وما قام به يضيع من عمره الكثير، فمن المفترض مراجعة النفس في كل يوم، وساعة. فأعمارنا تحسب بالساعات واللحظات مع نسق العصر المتسارع، اللحظة التي يهديك فيها أحدهم كلمة طيبة، ابتسامة أو وردة، اللحظة التي يصدر فيها قرار أممي بوقف إطلاق النار في مكان ساخن من العالم، اللحظة التي يصل فيها الماء والخبز لمن لا خبز وماء لهم، هي اللحظات الأولى بالاحتفال، فكل لحظة وأنتم بخير.
8:7 دقيقه
TT
كل لحظة وأنتم بخير
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة