راميش بونورو
TT

«الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي والقاعدة المعهودة

بات أي تحرك من قبل بنك «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي موضع قلق وترقب ونقاش، كما ينبغي للأمر أن يكون. ولقد انخرط الرئيس الأميركي دونالد ترمب في هذا النقاش من وقت ليس ببعيد، كاسراً التقاليد المعهودة خلال العقود الأخيرة من الصمت الرئاسي إزاء سياسات بنك «الاحتياطي الفيدرالي». وهو ليس مسروراً أبداً بشأن أسعار الفائدة المرتفعة.
ويشارك بعض خبراء الاقتصاد الرئيس الأميركي في اعتقاده بأن «الاحتياطي الفيدرالي» يسارع كثيراً في رفع أسعار الفائدة في البلاد. وبعض الخبراء الآخرين يلتزمون جانب «الاحتياطي الفيدرالي»، ومن بينهم مارتن فيلدشتاين البروفسور بجامعة هارفارد، والمستشار القديم للرؤساء الجمهوريين، الذي يقول: «إننا في حاجة إلى ارتفاع أسعار الفائدة عن أعلى مستوياتها حتى يتسنى إسقاطها لاحقاً من أجل تحفيز الاقتصاد في حالة حدوث الركود».
وفي ما يتعلق بمسألة ما إذا كان «الاحتياطي الفيدرالي» يتحرك بوتيرة أكثر صرامة، دُعي بعض اللا - أدريين وبعض المتزنين للمشاركة في الحوار. فإن كان «الاحتياطي الفيدرالي» قد أخطأ سبيله على المسار الصارم أو المسالم، فلقد وقع فقط في خطأ طفيف. (وتفيد تصريحات جيروم باول، رئيس بنك «الاحتياطي الفيدرالي»، بأن أسعار الفائدة الآن هي أقل بقليل من المستوى المحايد، بالكثير).
ولا تزال معدلات البطالة والتضخم أدنى بكثير من المتوسط المسجل خلال العقود الخمسة الماضية. ويجري التضخم المتوقع بالقرب من هدف «الاحتياطي الفيدرالي» البالغ نقطتين مئويتين. ولا يمكن للمرء المطالبة المعقولة بأداء أفضل من ذلك، سيما مع قبول هدف التضخم المذكور.
وينبغي علينا استغلال هذه اللحظة من الهدوء النقدي النسبي في اعتبار تساؤلات أعمق، مثل ما إذا كان هدف التضخم المذكور هو الهدف الصحيح. يعتقد الرئيس الأسبق لـ«الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي بول فولكر، أن مستوى التضخم الراهن مرتفع للغاية، ويسمح بحدوث الكثير من التدهور في قيمة الدولار مع مرور الوقت، ويشير إلى أن معدل التضخم البالغ نقطتين مئويتين، إن تمت المحافظة عليه بنجاح، فسوف يعني أن مستوى السعر سوف يتضاعف خلال فترة أطول بقليل من جيل واحد.
وإن كان السيد فولكر محقاً في طرحه، ينبغي علينا تحريك الهدف من نقطتين مئويتين إلى ما يقارب الحد الصفري للتضخم. وهو يقول إن معدل التضخم المنخفض للغاية لن يُخاطر بزيادة معدل البطالة أو يتحول إلى حالة الانكماش الخطيرة. لكن إن ثارت الشكوك بشأن تكاليف تخفيض هدف التضخم، فإنه لا يؤكد أن هذا المسار سوف يعود بفوائد معتبرة. وهو لا يُثبت كذلك أن معدل التضخم الثابت عند مستوى نقطتين مئويتين يستحق القلق الدائم بشأنه.
يضيف معدل التضخم المرتفع ودائم التغير حالة من عدم اليقين في الاقتصاد، الأمر الذي يسبب الإحباط لدى الشركات حال محاولتها صياغة خططها الاقتصادية المختلفة. لكن إن حافظ «الاحتياطي الفيدرالي» على حركة التضخم ضمن نطاق محدود حول المتوسط المنخفض، فإن هذه المشكلة سرعان ما تتلاشى. وسواء كان المعدل 2% أو بحده الصفري فهو يمثل أهمية طفيفة عن المتوقع.
ولا يكمن الفشل الحالي في النظام النقدي في أنه يولّد الكثير من التضخم. فالاقتصاد الأميركي لم يشهد مستويات مدمرة من التضخم منذ عقد الثمانينات في القرن الماضي (وهو الأمر الذي يرجع الفضل فيه إلى قيادة السيد فولكر نفسه لـ«الاحتياطي الفيدرالي» إبان تلك الفترة).
ما خبرناه، رغم ذلك، كان حالة من الركود الشديد والتعافي الضعيف، التي بدأت قبل عقد من الزمان، وليس من الواضح تماماً أن بنك «الاحتياطي الفيدرالي» مستعد بصورة جيدة للحيلولة دون تكرار ذلك.
هناك أسباب عدة تدعو للقلق بشأن كيفية استجابة «الاحتياطي الفيدرالي» لمواجهة الركود التالي. ولأن «الاحتياطي الفيدرالي» يستهدف التضخم، فربما يميل إلى تشديد السياسة النقدية بصورة غير ملائمة بعد صدمة العرض السلبية المؤلمة. وفي عام 2008، على سبيل المثال، يبدو أن أسعار النفط المرتفعة قد أسفرت عن سياسات أكثر تشدداً من قبل «الاحتياطي الفيدرالي» مما كان مبرراً حينها.
وتحقيق الاستقرار في دورة الأعمال يستلزم التعامل بشكل مختلف مع الزيادات في معدل التضخم، إن كان السبب فيها ناجماً عن انخفاض المعروض من الأموال أو ارتفاع الطلب العام على الأرصدة المالية، من ناحية، أو انخفاض في توافر المورد الرئيس من ناحية أخرى. وكلما كان نظام استهداف التضخم أكثر صرامة، انخفض احتمال أن ينزع «الاحتياطي الفيدرالي» إلى اعتبار هذه الفروقات.
ومن التعقيدات المحتملة الأخرى خلال الركود المقبل: بسبب تراجع أسعار الفائدة بشكل عام منذ جيل كامل، واعتماد «الاحتياطي الفيدرالي» في المعتاد على انخفاض أسعار الفائدة في تعزيز الاقتصاد، فقد يجد البنك نفسه من دون مقدرة حقيقية على المساعدة مع وقوع الركود المتوقع.
وهذا هو السبب في رغبة البروفسور مارتن فيلدشتاين في رفع أسعار الفائدة الآن. وهذا الحل، رغم كل شيء، يخلق المزيد من المشكلات الذاتية. فهو يستلزم اعتماد سياسة أكثر تشدداً، وبالتالي ارتفاع معدل البطالة وانخفاض الناتج الاقتصادي، بأكثر مما تمليه الظروف الاقتصادية الراهنة، وذلك فقط لتمكين «الاحتياطي الفيدرالي» على مساحة المناورة التي يحظى بها دائماً. وهو في ذلك يخاطر بالدخول في حالات الركود بهدف المقدرة على مكافحتها.
ومنذ عام 2008، اعتاد «الاحتياطي الفيدرالي» على سداد الفوائد للمصارف بناءً على الفائض من الاحتياطي النقدي لديها. وسمحت هذه السياسة للبنك المركزي بإعادة رسملة المصارف خلال الأزمة المالية من دون السماح بوجود التضخم الجامح. ولكنه أيضاً، كما يوضح أحد الكتب والدراسات الحديثة، أدى إلى تقويض جهود «الاحتياطي الفيدرالي» في تعزيز التعافي الاقتصادي.
قد يميل بنك «الاحتياطي الفيدرالي» إلى رفض انتقادات الرئيس دونالد ترمب باعتبارها خروجاً عن القاعدة المعهودة، ولها دوافعها السياسية المعروفة، ولا سيما أنها تتبدى من زاوية توجيه السياسة النقدية بصورة جيدة في الآونة الراهنة، ولكن لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى القناعة التامة بشأن مدى استعداد البنك في حالة الاصطدام بصخرة من الصخور القوية على الطريق.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»