في الولايات المتحدة، أصبح عملاق مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» يمثل مشكلة، نظراً لأن عائداته التي بلغت 23.3 مليار دولار عام 2017 تعتمد على التعدي على خصوصية المستخدمين، وذلك ببيعه بياناتهم لشركات الإعلانات.
وفي هذا السياق، قال بروفسور علم التسويق سكوت غولواي في مقال نشر بمجلة «أسكوير» بداية العام الحالي، إنه رغم الوجود وسط شركات عملاقة بحجم «أمازون» و«آبل»، و«غوغل»، فقد نجحت شركة «فيسبوك» في أن تصبح ذات قيمة اقتصادية وتأثير أكبر من غيرها من الكيانات التجارية الأخرى في تاريخ البلاد.
الأمر ينطوي على احتكار تجاري، سواء اشتريت منافسيك أو حطمتهم. فتلك الممارسات من شأنها أن تخنق المنافسة. وبحسب ما أشار زميلي كاتب الرأي نوح سميث مؤخراً، فإن الشركات الناشئة لن تستطيع الحصول على رأس المال طالما ظلوا خائفين من أن ينتهي بهم الأمر بالوقوع ضمن ضحايا العملاق «فيسبوك».
ولو استشهدنا بأمثلة، فهناك القضايا التي أثيرت منذ عام 2016، والتي أثارت التساؤلات بشأن «فيسبوك»، وكيف أنه نظر في الاتجاه الآخر في الوقت الذي كانت فيه روسيا تعمل على نشر الأخبار الكاذبة، كيف كان رد فعل «فيسبوك» بهذا البطء، وكم كان رد فعلها بطيئاً في مواجهة نشر التحريض على القتل والاغتصاب في ميانمار، وكيف أنها استغلت بيانات المستخدمين لصالح مؤسسة «كامبريدج أنليتيكا»، وهي الجهة المعنية بتحليل البيانات السياسية لصالح حملة ترمب الانتخابية.
ومع ظهور المزيد فيما يخص حيل «فيسبوك» التجارية، وجهدها في سبيل تحطيم الشركات، فقد خرج النقاد بالكثير من الأفكار فيما يخص طريقة التعامل معها. فقد قام نحو 30 من أعضاء مجلس الشيوخ بتقديم مشروع قانون يجبر «فيسبوك» على الالتزام بقواعد الكشف عن الإعلانات السياسية المدفوعة، كما يفعل التلفزيون والصحف. ولتفعيل ذلك، دعت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى عقد جلسة استماع بمجلس الشيوخ، فيما عرض خبراء الاقتصاد المعنيون بمنع الاحتكار عدداً من المقترحات لكبح جماح «فيسبوك».
لكن الفكرة الأوقع كانت ذلك المقترح لإضعاف نفوذ «فيسبوك»، وذلك بغرض تحفيز الإبداع وتعزيز المنافسة في مجال التواصل الاجتماعي. كان ذلك ما ورد في كتاب البروفسور تيم ووا الذي صدر مؤخراً بعنوان «لعنة الضخامة»، وهو الذي عرض الحل الوارد في بداية المقال: «أوكام رازور Occam›s razor»، وهو تفكيك «فيسبوك». يعمل تيم ووا أستاذاً للقانون بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، وقد عُرف بابتكاره لعبارة «الحيادية التامة».
كتابه الأخير يتضمن الدعوة إلى العودة إلى اليوم الذي كان فيه تعزيز منع الاحتكار يعنى أكثر من مجرد رفع السعر أمام المستهلك، وهو ما كان سائداً في غالبية القرن الماضي. فقد كان معروفاً في العقود الأخيرة أن «قانون حماية المستهلك» الذي سنه روبرت بروك هو المنظور الوحيد الذي ينظر من خلاله مشرعو قوانين منع الاحتكار إلى الشركات الناشئة. بيد أن ذلك المنظور المضلل ساعد على تركيز السلطة بصورة غير معهودة منذ عهد شركة «ستاندرد أويل» التي أسسها رجل الأعمال العصامي جون روكفلر (تمكن جون روكفلر من السيطرة على نحو 90 في المائة من صناعة تكرير النفط في الولايات المتحدة بحلول عام 1879).
واستشهد البروفسور ووا كذلك بحالات مهمة؛ منها دعاوى أقيمت بغرض تفتيت كيانات كبرى مثل قضية شركة «إيه تي آند تي»، وشركة «بيب بيل» عام 1984، وشركة «إي بي إم» التي بدأت عام 1969، وشركة «مايكروسوفت» عام 1998.
من ضمن النقاط المهمة التي طرحها البروفسور ووا هي أنه ما من خطأ في القول بأن التركيز الكبير في الصناعة في يد كيان واحد هو اتجاه يجب التصدي له، حتى ولو لم تتأثر أسعار السلع أمام المستهلك، لأن الآثار السلبية الأخرى ستظل موجودة، سواء كانت سياسية أم اقتصادية، وليست هناك آثار أكثر سلبية مما أحدثته «فيسبوك» اليوم. وليس هناك خطأ في دعوة الشركات الاحتكارية إلى تفتيت نفسها.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»