هال براندز
كاتب رأي من خدمة «بلومبيرغ» وأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة «جونز هوبكنز» الأميركية
TT

الصراع بين القوى العظمى

تجددت في السنوات الأخيرة ظاهرة عايشناها مع نهاية الحرب الباردة، ألا وهي العنف والمنافسة الساخنة بين أقوى دولتين في العالم. ورغم أن المنافسة حق لا جدال فيه، رغم خطورة ذلك الطرح في العموم، فإنه كثيراً ما تكون للمنافسة تبعاتها التي تتمثل في تقليص فرص إيجاد حل لمشكلات العالم، بدءاً من الهجرة إلى الأزمات الاقتصادية وانتهاء بالتغيير المناخي.
إن العلاقة بين الدول العظمى (الولايات المتحدة وحلفاؤها من ناحية، والصين وروسيا من ناحية أخرى)، تمثل المركز الجديد المشتعل للجاذبية في سياسة العالم. عندما لا يكون هناك استقرار في المركز، فإن تلك الحالة لا بد أن تتمدد للخارج لتؤثر في كل ما تلمسه.
وحتى زمن قريب نسبياً، اعتقد كثير من المراقبين في صحة العكس، أن كل الأشياء الحميدة في الشؤون العالمية ستسير في اتجاه واحد. من ضمن تلك المفاهيم الأكثر تفاؤلاً في حقبة التسعينات والعقد الأول من الألفية الجديدة فكرة أن الصراع الجيوسياسي للدولة مع الدولة من شأنه أن يسهل التعامل مع حزمة التحديات العالمية التي تهددنا جميعاً. وفي ظل الهيمنة الأميركية المطلقة، ومع مواصلة القوى العظمى السير في الاتجاه ذاته، يستطيع المجتمع الدولي أن يصب جل تركيزه على الإرهاب وعلى التغيرات المناخية والأوبئة والانتشار النووي وغير ذلك من الأخطار المشتركة. وفي المقابل، من شأن التعاون أن يعزز من المشاعر الطيبة بين القوى الكبرى.
إن هذا الاعتقاد يحظى بتأييد الحزبين. ففي عام 2002، رأى القائمون على استراتيجية الأمن القومي بإدارة الرئيس جورج بوش أن المجتمع الدولي أمامه فرصة غير مسبوقة لإنهاء المنافسة الجيوسياسية التي عايشناها في الماضي، وذلك بأن نعمل على مجابهة أخطار الحاضر. وفي مذكرة، رسمية، قالت الإدارة الأميركية: «اليوم، خلصت القوى العظمى إلى أننا نقف في المركب نفسه، فما يوحدنا هو أننا جميعاً نواجه الأخطار المشتركة ذاتها، ألا وهي العنف والإرهاب والفوضى».
خلال فترة رئاسة باراك أوباما، سارت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في الاتجاه ذاته. وقد فسرت كلينتون ذلك بقولها: «إن غالبية الشعوب تشعر بالقلق من التهديدات العالمية ذاتها». فبتعزيز التعاون وتقليص المنافسة، بإمكان واشنطن أن تحول «العالم متعدد الأقطاب» إلى «عالم متعدد الشراكات».
لهذا الحوار جاذبيته وإغراؤه، والسبب يكمن في مصداقيته. ففي العقدين اللذين أعقبا الحرب الباردة، حقق العالم بقيادة الولايات المتحدة نجاحاً في التعامل مع عدد من القضايا، منها اعتداءات صدام حسين على الخليج العربي، والحرب الشعواء في البوسنة في منتصف تسعينات القرن الماضي والقرصنة في القرن الأفريقي، والأزمة المالية العالمية في 2008/ 2009. في كل تلك الأمور الجسام، شكل تراجع وتيرة التوتر بين القوى العظمى أهمية كبيرة في الوصول إلى حلول.
لكن العمل التعاوني في مواجهة تلك التحديات لم يكن بالقوة الكافية للتغلب على دافع المنافسة المتجددة، بعد أن فرضت الصين وروسيا نفسيهما على الساحة. ومع تزايد وتيرة المنافسة في العقد الأخير، تراجعت فرص العمل الجماعي بدرجة كبيرة.
ولنفكر في الحرب الأهلية في سوريا. فعلى مدار ثماني سنوات، تسببت الاحتكاكات المستمرة بين الولايات المتحدة وروسيا (ومع روسيا الحليف الإيراني في سوريا) في إضعاف تأثير الضغوط الدولية التي مورست على بشار الأسد في سبيل تسليم السلطة والتوقف عن ممارسة القتل. ففي كل خطوة، عملت روسيا على حماية الأسد، بل ساعدته في مواصلة شن الحرب على شعبه وأبناء جلدته، وعملت على صموده ومنع سقوطه حليفاً لروسيا على يد أبناء شعبه وثورتهم التي دعمتها الولايات المتحدة. إذا كان التدخل الدولي الناجح، الذي سانده مجلس الأمن الدولي في البوسنة عامي 1995 و1996 قد رمز للتعاون الناجح بين القوى العظمى والتعاون الدولي بصفة عامة، فإن كابوس الأسد في سوريا يرمز إلى العلاقة العكسية بين القوى العظمى، أو بالأحرى الصراع بين القوى العظمى وما نتج عنه من فوضى عالمية.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»