تيريز رافائيل
TT

الخلاف الذي سيحدد مصير «بريكست»

لم تكتف رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي بمنح حزبها مهلة لتأييد اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) الذي تقدمت به فحسب، بل إنها عرضت خياراً لا يقل صعوبة وهو أن النتائج هي ما ستحدد ما إذا كانت ستملي على الحزب ما سيفعله في المرحلة المقبلة.
وحتى الآن فإن حزب العمال يبدو منقسماً بشأن حالة العداء داخل حزب «المحافظين» نفسه. فبالنسبة لأصحاب الصوت العالي من أنصار «بريكست» مثل بوريس جونسون وجاكوب ريس موغ، فإن أي اتفاق غير الخروج الكامل والابتعاد عن قوانين الاتحاد الأوروبي ومؤسساته يعد خيانة لاستفتاء «بريكست». وبالفعل هناك أعضاء برلمان متذمرون عن حزب المحافظين قد يدفعون في اتجاه التصويت بسحب الثقة من ماي.
فقاد ساعدت الانقسامات أيضاً في صرف الانتباه عن حقيقة أن حزب العمال لم يكن مطالباً برسم خطة خاصة به، لكنه وضع ست نقاط مستحيلة يمكنه من خلالها الحكم على أي شيء تقترحه ماي. ومع استعداد أعضاء البرلمان للتصويت على خطة ماي، هناك خيار بغيض أمام المعارضة: إما أن تدعم الحكومة التي تريد رحيلها أو أن تصوت لصالح اتفاق يقدم للبلاد أفضل فرص الخروج المنظم من الاتحاد الأوروبي. إن اتجاه تصويت حزب العمال يمثل الآن أهمية أكبر من أي وقت مضى لأن ماي، التي تتمتع بأغلبية ضئيلة حالياً، تتعرض لانتقادات حادة من جبهة ثانية داخل حزبها، وهي جبهة المؤيدين للبقاء مثل وزير النقل جو جونسون، الذي تقدم باستقالته الأسبوع الماضي ودعا حزبه إلى رفض إبرام اتفاق ماي وإجراء استفتاء جديد على «بريكست»، ولذلك فإن الحسابات في البرلمان تبدو ضيقة.
وكما هو مؤكد، إذا ما قرر حزب العمال معارضة الاتفاق، سيتعين على رئيسة الوزراء الاعتماد على حفنة من أعضاء البرلمان عن حزب العمال ممن يرون أن الاتفاق أفضل من عدم وجود اتفاق، وهم بذلك سيعارضون قيادتهم حال طلبت منهم التصويت ضد الحكومة. وقد ساعد عدد بسيط من أعضاء مجلس النواب عن حزب العمال الحكومة في الفوز في عمليات التصويت المتعلقة بـ«بريكست» في الماضي، لكن هذا التصويت ستكون له قيمة أكبر بكثير.
ستعتقد أن حزب العمال، الحزب المناصر لأوروبا في السياسة البريطانية خلال العقود الثلاثة الماضية، سيؤيد الوصول إلى اتفاق أو يعارض «بريكست». ورغم أن غالبية أصوات حزب عمال كانت من أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016. فإن هناك الكثير من أعضاء البرلمان ممن يؤيدون الخروج من الاتحاد. لكن العقبة الأكبر هي أن زعيم الحزب جيريمي كوربن نفسه استمر لفترة طويلة ينتقد الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة لكوربن، فإن «بريكست» كان مصدر تشتت أكثر منه قضية يمكن الالتفاف حولها. فأولويته هي إعادة ترتيب اقتصاد المملكة المتحدة وتأميم الصناعات الكبرى، وزيادة مستوى الرفاهية وإصلاح النظام الضريبي. إن إصرار الاتحاد الأوروبي على استمرار التزام بريطانيا بإعانة نفسها ذاتياً وبقوانين المنافسة لديها من شأنه أن يعيق الكثير من خطط كوربن. ولذلك فإنه يفضل إجراء انتخابات عامة، رغم أنه وافق على مضض على المؤتمر السنوي لحزبه لتأييد فكرة إجراء استفتاء جديد حال تعذر إجراء تصويت.
وقد ظهر وزير ظل «بريكست» عن حزب العمال، كير ستارمر، في بعض الأحيان غير مرتاح لخط حزبه. ففي عام 2017، كثيرا ما كرر مقولة إنه من المستحيل تخيل أن وجود اتفاق سيكون أسوأ من عدم وجود اتفاق على الإطلاق. إن التخبط وعدم اليقين والخسائر الاقتصادية الكبيرة الناتجة عن الخروج من دون إبرام اتفاق تفاوضي ستكون أسوأ نتائج ممكنة.
الخطر هو أنه بمعارضة اتفاق ماي سيدفع حزب العمال بريطانيا في اتجاه سيناريو الاتفاق الذي سبق أن حذر منه ستارمر وأن حزبه كان بإمكانه منع حدوث ذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»