ليونيد بيرشيدسكي
TT

المحافظون الألمان البدلاء والرؤى الحزبية الصارخة

أثارت المنافسة على بديل المستشارة أنجيلا ميركل زعيماً للاتحاد الديمقراطي المسيحي، إثر تنحيها عن منصبها الشهر المقبل، تساؤلاً مهماً تدور بشأنه المناقشات الآن داخل كثير من أروقة الأحزاب المحافظة في أوروبا: أي من الكلمتين المذكورتين في عبارة «يمين الوسط» هي الأولى بالأهمية؟
من شأن المنافسة على خلافة ميركل أن تكون قريبة. ففي يوم 7 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يعقد الاتحاد الديمقراطي المسيحي مؤتمراً حزبياً في هامبورغ لاختيار الزعيم الجديد من بين ثلاثة مرشحين جادين؛ أنغريت كرامب كارينباور، التي اختارتها ميركل في منصب السكرتير العام للحزب، وفريدريش ميرز، الذي يرأس المجلس الرقابي للفرع الألماني من صندوق «بلاك روك» لإدارة الأصول الذي عاد بشكل غير متوقع من التقاعد السياسي الاختياري، ثم وزير الصحة الحالي غينيس سبان. ولقد أوضح المرشحون الثلاثة كيفية إدارتهم للحزب، وتوفر خلافاتهم السياسية رؤى رائعة حيال التيارات السياسية والآيديولوجية داخل الأوساط الألمانية المحافظة. ويجري نقاش مماثل آخر بشأن الآيديولوجية، وإن كان بدرجة أقل انفتاحاً، لدى الأحزاب المحافظة من النمسا وحتى إسبانيا، وداخل الحزب الجمهوري الأميركي وإن كان بصورة مختلفة تماماً.
تعد أنغريت كرامب كارينباور وفريدريش ميرز من أبرز المرشحين الحاليين. وفي استطلاع للرأي نُشر يوم الخميس؛ قال 36 في المائة من الشعب الألماني إنهم يتصورون ميرز باعتباره مستشاراً ألمانياً جيداً لبلادهم، و33 في المائة قالوا الشيء نفسه بخصوص كرامب كارينباور. وتتصدر كرامب كارينباور الآراء لدى أنصار الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزبه البافاري الشقيق، الاتحاد الاجتماعي المسيحي، و52 في المائة من أنصار الحزب قالوا إنها سوف تكون مستشارة جيدة للبلاد، وذلك مقابل 50 في المائة يظنون أن ميرز هو الأفضل، في حين أن نسبة 21 في المائة صوتت لصالح الوزير سبان.
وكان سؤال استطلاع الرأي منطقياً... إن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي هو أكبر الأحزاب الألمانية قاطبة، على الرغم من الهبوط الحاد الذي مُني به الحزب في آخر استطلاعات للرأي، كما أن لزعيم الحزب كلمة قوية ومسموعة لدى منصب المستشار - وربما حتى انتهاء الفترة التشريعية الحالية - إذا غادرت ميركل منصبها. ويقول أغلب المواطنين الألمان في آخر استطلاعات للرأي هناك إنه ينبغي على ميركل التنحي قبل الميعاد المعلن، رغم أن هذا ليس من بين أهدافها.
تتسم سياسات اختيار القائد بالتعقيد. كان المرشحون يتنافسون أخيراً للحصول على تأييد مختلف جماعات الضغط السياسي داخل الحزب... وتتأيد كرامب كارينباور بدعم المنظمة النسائية، في حين أن مجموعة «ميتلستاند» القوية من ممثلي الشركات المتوسطة والصغيرة تؤيد ميرز، وتؤيد منظمة الشباب سبان. ومن شأن المطالبين بالسلطة كذلك أن يتوددوا إلى مؤسسة الدولة. وينحدر ميرز وسبان من أكثر الولايات اكتظاظاً بالسكان في البلاد، في حين أن كرامب كارينباور تنحدر من ثاني أصغر الولايات في ألمانيا، الأمر الذي يجعلها في وضع غير مؤاتٍ بصفة طبيعية. ولكن الاختيار النهائي سوف يكون حول الطريقة التي ينظر بها المرشحون إلى مستقبل الحزب وليس إلى الخلفية.
وقال مايكل كريتشمر، الوزير الرئيسي في ولاية ساكسونيا والعضو البارز في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي: «لابد أن نوضح الأمر مرة أخرى بشأن ماهية الاتحاد الديمقراطي المسيحي».
كان كل المرشحين واضحين تماماً إزاء وجهات نظرهم السياسية. يعتبر ميرز سياسياً محافظاً مؤيداً لقطاع الأعمال وللولايات المتحدة الأميركية، ويؤمن باستيعاب المهاجرين ضمن نسيج البلاد وبالقيم المسيحية التقليدية. واقترح ذات مرة نظاماً ضريبياً بسيطاً من شأنه التناسب مع العوائد الألمانية الاعتيادية على منتجات الجعة. وكان قد أعرب عن شكوكه في السنوات الأخيرة بشأن مستقبل اليورو. وكانت مواقفه لا تحظى بالشعبية الكبيرة تحت قيادة ميركل، ونزع بعض الأشخاص المؤيدين لوجهات نظر مماثلة إلى حزب البديل لأجل ألمانيا، ولكن أغلبهم لزم موقفه حيال الحزب الحاكم... يحظى الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني بالاحترام وتأييد التقاليد القوية في قيادة البلاد، وهذا من الأمور ذات الأهمية بالنسبة لأعضاء جناح المال والأعمال الرصين داخل الحزب.
لا يملك سبان المؤهلات المحافظة نفسها التي يتمتع بها ميرز: فهو سياسي حديث السن، وهو مثلي (صوتت الأغلبية الساحقة من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ضد المساواة في الزواج العام الماضي)، ولديه خبرة قليلة في سياسات القطاع الخاص. ومع ذلك، فهو يقترب بصورة نسبية من خط ميرز، ما قد يكون مهماً إن احتل المرتبة الثالثة، وكانت هناك جولة ثانية بين ميرز وكارينباور. ويريد سبان أن يجعل من الهجرة القضية المركزية وسيلة من وسائل المنافسة لدى الاتحاد الديمقراطي المسيحي في مواجهة الشعبويين على تياري اليمين واليسار (ما يعني بالأساس حزب الخضر، الذي انشق عنه الناخبون الأقل تشدداً في الاتحاد الديمقراطي المسيحي).
والهجرة، كما قال سبان في صحيفة «فرانكفورتر الغيمين زايتونغ»: «هي الفيل القابع داخل الغرفة»، ولا بد على الحزب أن يُعلن صراحة معارضته المباشرة للتدفق غير المنظم للمهاجرين من الذكور، حيث يقول إنه الأمر الذي لا تزال تعاني منه ألمانيا رغم التأكيدات الرسمية بأن كل شيء قيد السيطرة. وليس من شأن هذا الموقف أن يعتبر تحولاً نحو تيار اليمين بسبب أن وقت الخطط الانعكاسية بين تياري اليمين واليسار قد ولى. بدلاً من ذلك، ينبغي على السياسيين الاستناد إلى الحس السليم و«الأمانة» الجديدة، وليس فقط بشأن ملف الهجرة، وإنما حيال التكاليف المترتبة، وتنفيذ خطط الطاقة النظيفة في ألمانيا، وجهود الإنقاذ في منطقة اليورو.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»