د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا وتغييب منصب الرئيس

تغييب منصب الرئيس يبقى جزءاً مهماً من اللازمة الليبية الحالية، التي لها أطراف كثيرة، يمثلون الدولة العميقة، التي هي دولة داخل الدولة، لا تتردد عن استخدام العنف للتأثير في المشهد السياسي والنخب السياسية، لضمان تحقيق مصالحها، في ظل وجود أغلبية سياسية وشعبية صامتة.
فليبيا من الملك الصالح إدريس الأول، طيب الله ثراه، إلى الرئيس الأخ القائد «رئيساً مدى الحياة»، طيلة أربعة عقود كادت تمتد حتى بعد وفاته عند أنصاره، كما سمي كيم إيل سونغ الرئيس الأبدي للجمهورية بعد وفاته، إلى بلد بلا رئيس ولو ليوم واحد، منذ سبع سنين عجاف، وأصبح معها تغييب منصب الرئيس ديدناً وخطة مستمرة منذ فبراير (شباط) 2011 وحتى يومنا هذا ليبيا بلا رئيس، بدءاً من ظهور المجلس الانتقالي ووريثه المؤتمر الوطني، وهم جميعاً يتفننون في تغييب منصب الرئيس... وترجع كلمة «رَئِيس» في اللغة العربية إلى الجَذْر (ر أ س) و«الرأْسُ من كل شيء، أي رئيس الدولة Head of state، وهو قائد الدولة وهو السلطة التي تمثل الدولة أمام بقية العالم، من خلال المشاركة بذاته أو من خلال مندوبين عنه وفق نظام الحكم».
في ليبيا لسبع سنين عجاف منصب الرئيس غائب أو مغيب بذرائع شتى، ولكنها في النهاية تصب في مصلحة تنظيم الإخوان الفاقد لشعبية تؤهله لضمان شخصية تتبعه، يمكن أن تكون الرئيس الضامن لمصلحة وسياسة التنظيم، ولو كان من خارج التنظيم، ولكن ليس خارج صفة محب أو صديق للتنظيم. ليبيا البلد العربي الذي لا رئيس له بعد، والأسباب كثيرة التقى فيها التنظيم الشرس مع جماعات أخرى لا يخدم مصلحتها وجود رئيس منتخب من الشعب مهمته الفصل بين السلطات الثلاث؛ التشريعية والقضائية والتنفيذية، ويمكنه حل البرلمان في حالة انتهاء ولايته ويمكنه ضمان السلطة من الفراغ السياسي.
التلاعب بتغييب منصب الرئيس يهم أطرافاً مستفيدة كثيرة، فأصبح رأس السلطة (الهجينة) المجلس الانتقالي (سلطة الأمر الواقع في فبراير غير المنتخبة) التي لم يُعرف تصنيف وظيفي واضح لها، هل هي سلطة تشريعية أم تنفيذية أم الاثنين معاً؟ وأصبح معها رئيس المجلس الانتقالي في حينها ينتحل صفة رئيس الدولة والقائد الأعلى للجيش، بالإضافة إلى صفة رئيس المجلس، وظائف وسلطات ثلاث في منصب واحد، وتكرر المشهد عند وريثه المؤتمر الوطني العام، ثم البرلمان، إلى أن جاء «اتفاق الصخيرات»، فنازع البرلمان في منصب الرئيس المغيب أصلاً، كل من مجلس الدولة الاستشاري والمجلس الرئاسي، رغم عدم دستورية وشرعية الجسمين الأخيرين.
ليبيا اليوم في حاجة لانتخاب رئيس يعبر عن إرادة الشعب الحقيقة وليست المزورة والمغيبة، ولا يمكن أن يكون هذا إلا من خلال انتخاب مباشر عن طريق الاقتراع الشعبي، وبحيث يكون كل مواطن ليبي وطني بالولادة من أبوين وطنيين ويقيم في ليبيا، أهلاً كمرشّح لمنصب رئيس الدولة، ما لم يكن صدر ضده حكم قضائي يمنعه من تولي المنصب، لضمان أن يكون ممثلاً للشعب؛ انتخابه من الشعب وليس من فئة أو نخبة كما تسعى جماعة الإخوان، ليصبح بذلك رئيس جماعته أو تنظيمه في ثياب رئيس دولة، كما حدث مع الرئيس المصري المعزول محمد مرسي.
غياب أو تغييب منصب الرئيس في ليبيا، هو ضياع لمهامه وتشتيت لها، وبالتالي يتفرق الدم (الحقوق) بين القبائل أي الأجسام السياسية المتنازعة لصفة الرئيس بينها، التي هي من حيث الفعل والتصرف، أعلى سلطة في قيادة الدولة وإدارتها.