مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

بعض الحقائق العميقة مؤلمة

لم يتغير تاريخ البشرية كثيراً، فهو بين شد وجذب، بين سلام وحرب، وها هو الشرق الأوسط يتشكل من جديد بخصائصه الجغرافية والثقافية. بل بكل مكوناته، فالقمة الرباعية المنعقدة في إسطنبول أخبرت بأن مصير سوريا سوف يكون الملف الرئيسي في القمة، فهل تخلت الجامعة العربية عن قضاياها المصيرية ومشاركة الدول المعنية بالسلام التي يهمها صياغة الدستور السوري؟! أم أن صياغة الأحداث التي تؤثر في السياسة الدولية تظل مقيدة إلى أن يتم تعطيلها وعرقلتها، ويصبح الأمر متعلقاً بتصحيح توقعاتنا المندفعة، وتحجيم الشكوك بمستقبل السلام بالمنطقة، نظراً للوضع الراهن وملفاته الشائكة؟
ومن زاوية أخرى للموضوع ذاته، أضاف مارك بيريني، الباحث بمركز «كارنيغي» بأوروبا قائلاً: «إن روسيا تعول كثيراً على الدور التركي في القمة المرتقبة لمساندتها في الضغط على الاتحاد الأوروبي للدخول شريكاً في عملية إعادة إعمار سوريا، التي لن تستطيع روسيا وحدها أن تتحمل تكلفتها، ما يضفي على الدور التركي في الملف السوري أهمية متزايدة، ويبدو أن هناك توافقاً دولياً على السماح بتعاظم هذا الدور.
لا شك أن الأزمة في حالة تسريع للحلول في قمة إسطنبول بمشاركة أربعة رؤساء غير عرب؛ تركيا رجب طيب إردوغان، وروسيا فلاديمير بوتين، وفرنسا إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورغم هذا الحضور الرباعي تباينت الآراء واختلفت الرؤى.
وكما هو معروف، تنبغي متابعة القرار الذي كتب مصيره أطراف أخرى من خارج جغرافيته السياسية وصدر له بيان رسمي بأن مصير الأسد بيد الشعب السوري. وشدد ماكرون على انتخابات نزيهة وسط ممارسة ضغط على النظام السوري، فمنذ بداية الأزمة السورية عام 2011 تنبأ الكثير مسبقاً بأن الحرب ستنتهي بسوريا إلى قوة كبيرة تتحكم فيها وترسم مصيرها.
إن ما يجري في العالم اليوم يعتمد اعتماداً كلياً على استكمال الحرب على سوريا والعمل على إيقافها، كما ذكرنا سابقاً، ويبقى علينا أن نحلم بسلام شامل لمنطقتنا، ولا يفوق إدراكنا انعكاساته على باقي الدول ومنها الكانتونات الفلسطينية، وإيقاف تمدد الاستيطان الإسرائيلي، وأن يكون لمعاناة فلسطين نصيب فيما ما يعقد من قمم دولية.
إذن هذا ما يمكن قوله: إن عصرنا الحاضر أشد ظلاماً وأكثر رعباً بين خطي السلام والسياسة الدولية، في حال كانت المصالح تهدد أمن الشعوب، حيث يصعب توسيع نطاق الخيارات في واقع خُطط له وقد أوشك على الانتهاء بزعم ديمقراطية، ونيات لا تخدم إلا نفسها مهما كانت النتائج.
ما من معايير لبناء استراتيجية جيدة دون أن تضع خريطة طريق عند جميع انعطافات التاريخ، حتى تحقق الأحداث وانبعاثاتها الأهداف أثناء اللحظات الحاسمة، لذلك لم تنجح الحلول في فضاء سوريا مهما تحفظوا على التفاصيل دون إدراك الخطر المتوقع، فقد أصبح من الواضح أن هناك براهين وتكهنات تشكل تهديداً على مستقبل سوريا.
لهذا السبب، مهما اختلفت الأولويات في المنطقة المدججة بالمخططات والأسلحة، لا بد أن نهدئ من روع العنف المرسوم بخطوات استباقية لتنجح الأمة في الغاية بتوحيد القلوب وإحلال السلام، لكي تبقى الشعوب المنكوبة في مأمن من الاضطرابات والمطامع السياسية، وهذا أضعف الإيمان.