هال براندز
كاتب رأي من خدمة «بلومبيرغ» وأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة «جونز هوبكنز» الأميركية
TT

الجبهة الجيواقتصادية: من سيفوز... أميركا أم الصين؟

إذا كنت تعتقد أن العلاقات الأميركية - الصينية لن تسوء أكثر مما هي عليه، ففكّر فقط فيما حدث الخميس الماضي. فقد نشرت مجلة «بلومبرغ بنس ويك» الأميركية تقريراً صادماً عن أعمال تجسس استهدفت العشرات من المؤسسات الأميركية ووزارة الدفاع (البنتاغون). بعد ذلك جاء خطاب نائب الرئيس مايك بنس الذي تضمن اتهامات حادة في حق بكين وسلوكها؛ بل تعدّ الأكثر حدة من قبل أي قائد أميركي منذ زمن الحرب الباردة. فقد أطلق نائب الرئيس بنس على الوضع مع الصين وصف «المنافسة الكبرى على السلطة»، مما أثار السؤال القاسي: هل الولايات المتحدة مستعدة حقاً لمثل تلك المنافسة؟
فقط فكر في شراسة عملية التجسس الصينية ضد الولايات المتحدة. فقد كشف مقال «بلومبرغ» كيف أن جهاز «جيش التحرير الشعبي» الاستخباراتي تمكن من إدخال شرائح بالغة الصغر إلى ما تعرف بـ«الألواح الإلكترونية (مَذَر بورد)»، التي يجري شحنها إلى كبرى شركات الكومبيوتر الأميركية. الهدف كان واضحاً وهو التسلل وعرض محتوى الخوادم (سيرفرز) والشبكات وكثير من الشركات الأميركية - ومنها شركة «أبل» العملاقة - التي تتعامل بصفتها متعهداً مع الحكومة الأميركية. بيد أن حجم الضرر الذي لحق بتلك المؤسسات لا يزال غير واضح. نفت الشركات، ومنها «أبل»، حدوث أي من هذه الاختراقات، لكن نجاح الصين في إفساد سلاسل التوريد العالمية يعدّ في حد ذاته عملاً بطولياً في التجسس الإلكتروني.
يظهر حديث مايك بنس كيف أن لهجة الخطاب الرسمي الأميركي تجاه الصين باتت خشنة. فقد جادل بنس بأن الأمل الأميركي الكبير في حقبة ما بعد الحرب الباردة بأن تتحرك الصين بثبات في طريق مزيد من الحرية الاقتصادية والسياسية، اتضح أنه مجرد سراب بعد أن اختارت الصين طريق الفاشستية والنزعة التجارية العدوانية. واستناداً إلى هذا، فقد قدم بنس الفاتورة الكاملة الخاصة بسلوك الصين في الداخل والخارج.
لقد اتهم بنس الصين بالسعي وراء «الحمائية» وإلى اقتصاد السلب الهادف إلى تحقيق الهيمنة في الصناعات التكنولوجية المتطورة وفي الوقت نفسه العمل على إضعاف القاعدة التكنولوجية والصناعية الأميركية. أدان بنس بكين لسعيها إلى طرد الولايات المتحدة من تجمع «غرب المحيط الهادي» بإخافة الحلفاء باستخدام ثقلها السياسي في منطقة بحر جنوب الصين وبحر شرق الصين، والتحرش بالسفن والطائرات الأميركية وإنشاء جيش ضخم استمر لأكثر من عقدين.
وجادل بنس بأن بكين تستخدم أساليب أكثر قمعية في الداخل، وفي الوقت نفسه تدعم الأنظمة الاستبدادية وتعمل على إضعاف الحكومات الديمقراطية حول العالم. ليس هذا فحسب، فقد هاجم نائب الرئيس الأميركي الصين لتدخلها في شؤون المجتمع الأميركي وفي سياسته عن طريق مراكز الأبحاث والمعاهد الأكاديمية، وكذلك لإدارتها حملات الدعاية والسعي إلى الإضرار بالانتخابات الفصلية ضد الجمهوريين والرئيس دونالد ترمب.
لم يأتِ خطاب بنس من فراغ، لأن التوتر القائم مع الصين يعود لسنوات كثيرة مضت، لكن وتيرته اشتدت في عهد ترمب. فقد عرّفت «استراتيجية الأمن القومي - 2017» الصين على أنها قوى تعديلية فاشستية تعمل بإتقان للإضرار بالمصالح والقيم الأميركية. والأسبوع الماضي فقط قدم مسؤولو الحكومة بيانات تحدد طبيعة العلاقة في إطار تنافسي يؤكد أن الولايات المتحدة لا تخجل من أن تنطق بتلك الكلمات.
ليس هناك الكثير الذي نختلف بشأنه فيما يخص إدانة بنس للسلوك الصيني، وإن كان من الخطأ الزعم بأن بكين تدخلت في الانتخابات الأميركية بالصورة نفسها التي فعلتها روسيا عام 2016، والوقت الحالي هو الأنسب لكي يفهم الأميركيون رهانات تلك العلاقة. السؤال ليس هو ما إذا كانت الإدارة الأميركية قد أحسنت التشخيص أم لا، السؤال هو: هل تملك الحل؟ هنا يمكن القول إن هناك ما يدعو للقلق. فوزارة الدفاع الأميركية تستثمر الآن المزيد في الاستعداد وفي تعزيز القدرات على المدييْن القريب والمتوسط. لكن خبيراً مثل كريس بروس، مدير لجنة خدمات التسليح بمجلس الشيوخ، أشار إلى أن الاستثمارات في القدرات المستقبلية التي من المفترض أن تتفوق على الجيش الصيني على أرضه، ضعيفة. وعلى الجبهة الجيواقتصادية، فإن إدارة ترمب تخطو بعض الخطوات الصغيرة لمنافسة النفوذ الصيني في منطقة آسيا - المحيط الهادي وفي غيرها من الأماكن. لكن لا يوجد حتى الآن بديل لـ«اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي»، التي كانت ستجمع اقتصادات كبيرة في المنطقة في بوتقة واحدة قريبة من واشنطن.
إنه لشعور جيد للمسؤولين ولصناع القرار الذين استشعروا القلق من صعود الصين، أن يتحدثوا صراحة عن تصرفات بكين تلك. وإلى أن تحدد الولايات المتحدة أهدافها بعيدة المدى، وإلى أن تتمكن من تحديد سياساتها الرامية إلى تحقيق تلك الأهداف، فمن غير المرجح الآن أن تنتصر الولايات المتحدة في الصراع الذي دخلته.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»