انتخب لبنان ملكته لتمثله في مسابقة ملكة جمال الكون في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) في بانكوك في تايلاند، وكانت الفائزة بتاج الجمال في لبنان مايا رعيدي البالغة من العمر 22 عاماً وهي من أب لبناني من منطقة تنورين ومن أم روسية.
فازت رعيدي باللقب عن جدارة في ما يخص تقاسيم الجمال الخارق التي أنعم الله عليها به، والشبه الكبير بينها وبين الملكة السابقة جورجينا رزق التي فازت باللقب عام 1971 زاد من شهرتها التي «ولعت» منصات التواصل الاجتماعي.
لم يختلف اثنان على جمال رعيدي إنما اختلف الملايين في ما بينهم على وسائل التواصل الاجتماعي، لتتحول مسابقة جمال بريئة تبعد اللبنانيين عن همومهم اليومية وتنسيهم التكلم في موضوع السياسة العقيم لتتحول إلى قضية بشعة مسطّرة بخطوط العنصرية، فقط لأن مايا من أم روسية، بغض النظر عن كونها لبنانية من حيث الجنسية والدم، بما أن والدها لبناني «أصلي».
تبادُل وجهات النظر حول شكل وجمال الملكة شأن عادي وطبيعي، لأنه يحق للشخص أن يعبر عن رأيه، خصوصاً أن مسألة الجمال هي مسألة نسبية وكل إنسان يرى الجمال من منظار مختلف، ولكن أن تتحول المناقشة إلى معضلة إقليمية تولى مهمتها العاطلون عن العمل لتراشق العبارات الجارحة التي لا تسيء فقط لملكة جمال إنما لأمة برمتها فهذا ما ليس عادياً أو طبيعياً. فمن قال إن الطفل إذا وُلد من جنسية أب وأم مختلفة لا يحق له أن يمثل الدولة التي يحمل جنسيتها؟ ففي وضع مايا هي لبنانية لأن قانون التجنيس اللبناني لم يكن ليسمح لها بحمل الجنسية اللبنانية لو كان الوضع هنا مقلوباً وكان والدها أجنبياً، وهذا يعزز فكرة أن من ليس لديهم ما يقومون بفعله سوى التشهير والتحقير بالغير هم طفيليات لا تقدم ولا تؤخّر، لأن مايا لبنانية حسب القانون ويحق لها المشاركة في المسابقة.
قرأت الكثير من الرسائل وصُعقت بالكم الهائل من الحقد بين بعض من يعتقدون أن العروبة تجمعهم بغضّ النظر عن البلد الذي ينتمون إليه، فهناك من أهان شعب لبنان بأقاويل لا تمتّ بصلة إلى مسابقة الجمال، وهناك من شكّك في قانونية حصول مايا على اللقب كونها نصف لبنانية.
يا جماعة الخير، هذه مسابقة جمال وليست مسابقة شرّ، ومن أغرب ما قرأته أن ملامح الملكة الجديدة أجنبية وليست شرقية، ولكني تساءلت: «مَن زار لبنان وعرف لبنانيين، ألم تروا من هم بشرتهم بيضاء وعيونهم ملونة؟»، والأمثلة هنا لا تُحصى ولا تُعد لفنانين وفنانات ملامحهم غربية ذاع صيتهم في العالم العربي.
وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وللأسف منصات مجانية لناشري الحقد والضغينة، ففي عام 1971 عندما انتُخبت جورجينا رزق ملكة جمال الكون لم تكن هناك مثل هذه المنصات، فلم تنتشر مثل هذه الأحقاد على الرغم من أن رزق هي الأخرى من أب لبناني وأم هنغارية، وهذا ما يثبت لنا فكرة أن التواصل الاجتماعي هو سيف ذو حدين لأنه بمثابة سلاح من حيث القوة، والسلاح إذا وقع في أيدي المعاتيه تكون نتائجه كارثية.
ولا بد من الإشارة إلى الحرب الكلامية التي شاركت بها عدة أطراف من عدة دول على الإنترنت طالت والدَي مايا رعيدي. فالحاقدون قرروا أن الملكة جميلة لأنها من أم روسية وملامحها أوروبية، ليعترض اللبنانيون على ذلك من خلال نشر صورة لوالدَي مايا تُظهر وسامة والدها الذي يتفوق على جورج كلوني في جماله، في حين رأى البعض أن والدتها ليست خارقة الجمال بالمقارنة معه، وهنا وقعت حرب مدوية يمكن أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة بسبب ذلك.
يا أحبائي، الله جميل ويحب الجمال، فأحبوا أنتم أيضاً الجمال من دون التجريح بالغير، فالمسألة يجب ألا تتحول إلى مشكلة إقليمية، ومن القبيح جداً أن يتولى العاطلون عن العمل الحملات المحرّضة، فالشر يستلزم الذكاء، فيا حبذا لو يستخدمون ذكاءهم ووقتهم في تعلم شيء مفيد متوفر على الشبكة العنكبوتية بدلاً من المهاترات ونشر الأحقاد وفحص الحمض النووي للملكة.
TT
ملكة ومليون عاطل عن العمل
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة