تيلر كوين
TT

متى ولماذا سار العالم في الطريق الخطأ؟

ما الخطأ الذي حدث؟ ومتى؟ وأين؟ يرزح النظام العالمي الديمقراطي المفتوح القائم على الحقوق العادلة وسيادة القانون، أو الليبرالية إن جاز التعبير، لعدم وجود مصطلح أفضل، تحت ضغط متنامٍ. كذلك تحيط بنا المؤشرات، سواء الخطيرة أو الأقل خطورة، من كل اتجاه.
لقد ساد هذا التوجه في كثير من الدول إلى الحد الذي يوجب أن يكون تفسيره عالمياً. يتم الحديث عن مواقع التواصل الاجتماعي كثيراً باعتبارها قوة محركة، لكني أود النظر في بديل، أو ربما إمكانية تكميلية، لانهيار الليبرالية. فمع تراجع ذكرى الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة في ذاكرتنا الجمعية، أصبح الناس في الغرب أقل ميلاً إلى التعاون.
إذا عدنا بالذاكرة إلى سنوات الحرب العالمية الثانية وما بعدها، سنجد أن القادة الغربيين أقاموا مجموعة غير مسبوقة من المؤسسات متعددة الأقطاب، منها: حلف شمال الأطلسي، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ونظام «بريتون وودز»، والأمم المتحدة، وما سيصبح لاحقاً منظمة التجارة العالمية. وقد تلقت تلك المؤسسات دعماً واسع النطاق، في الداخل والخارج، وظلت متماسكة، وواصلت نشاطها.
بعد نهاية الحرب، كان هناك شعور عام، وفي محله، بأن التعاون الدولي كان ضرورياً لانتصار «الحلفاء»، وأنه سيكون من اللازم المضي قدماً في ذلك. لقد أثرت الحرب العالمية الثانية على حياة الكثيرين في أكثر الدول الأوروبية، إلى حد جعل ذلك الشعور عميقاً سائداً. كذلك لم يكن هناك قبول كبير لأفكار «اليمين الشعبوي»، الذي كان يشبه من عدة أوجه آراء قوى المحور سيئة السمعة حالياً. جاءت بعد ذلك الحرب الباردة التي منحت تلك الغرائز التعاونية الأساسية فرصة أخرى للحياة.
بدا كل من الاتحاد السوفياتي والصين كأمتين خطيرتين وقد دعم صعودهما التوجهات التعاونية في الغرب. وكانت استراتيجية «أميركا أولاً» لتبدو في منتصف السبعينات ضرباً من الجنون، وكانت المملكة المتحدة لتنضم إلى ما يسمى حالياً الاتحاد الأوروبي، بدلاً من مغادرته. على الجانب الآخر، كان يعد تصوير الخصوم السياسيين المحليين على أنهم شياطين، تصرفاً سيئاً، حيث كان الأشرار الفعليون في الخارج، وكانت هناك حاجة إلى قدر من تعاون الحزبين من أجل هزيمتهم.
مع ذلك، حين آن الأوان، مع وفاة من قادوا الحرب العالمية الثانية وقاتلوا فيها، وتلاشي خطر الشيوعية، بدأت فكرة العدو الخارجي في التلاشي أيضاً. لم يعد هناك آيديولوجيات تنتهي بمقطع «-ية»، مثل الشيوعية أو الفاشية، التي يمكن تعريف الليبرالية بشكل طبيعي كمقابل لها.
تظل الصين مسألة جيوسياسية، لكن لم يعد ينظر إليها باعتبارها خطراً مباشراً، بمعزل عن بعض أجزاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
لكن إذا كنت تنظر إلى السياسة الأميركية الحزبية المتعصبة المحملة بالمجادلات والمشاحنات، والشخصيات الحادة التي كثيراً ما تكون غبية، والتي سادت أكثر سنوات القرن التاسع عشر، ستجد أنها تبدو منطقية ومقبولة، حيث ينهار التعاون في ظل غياب أعداء خارجيين أقوياء.
هناك تفسير آخر لتنامي المشاعر المناهضة لليبرالية، وهو الهجرة. ولقد تم إبعاد هذا الأمر عن الطاولة كقضية كبرى لعدة عقود خلال سلسلة من الأحداث التاريخية. فقد تصدت الولايات المتحدة للهجرة عام 1920، ولم يكن للتحول نحو التوجه الليبرالي في الستينات تأثيراً ملحوظاً على الأميركيين في البداية. وفي تلك العقود المبكرة، التي أعقبت الهجرة، وقانون منح الجنسية لعام 1965، كان الفقر المدقع وغياب الحرية في كثير من الدول الفقيرة يجعل من الصعب على سكانها مغادرتها.
بالنسبة إلى أوروبا، كانت موجات الهجرة إليها محدودة جداً ليكون لها تأثير سياسي. كانت القصة الأكبر لفترة من الزمن خلال الستينات والسبعينات هي هجرة من دول مثل المملكة المتحدة والسويد بسبب ارتفاع الضرائب. كذلك عرقل وجود الستار الحديدي بعض المسارات والمصادر التي تتيح بعض الهجرة إلى أوروبا الغربية اليوم.
في ظل مجتمع ديمقراطي لا يشهد موجات هجرة كثيرة، يكون من الأصعب على القوميين والشعبويين استخدام ذلك الأمر كقضية. مع ذلك، شهد الجزء الأكبر من الغرب هجرات كثيرة طوال عشرين عاماً أو أكثر، مما يمنح القوى القومية والشعبوية موضوع نقاش أساسي. حتى إذا كان أكثر الشعب مؤيداً للهجرة، ربما لن تؤيد نسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة ذلك الأمر. ويمكن من خلال هذه القاعدة من البشر أن يكون لحركة رد فعل مضاد تأثير سياسي حقيقي.
ما نتيجة كل ذلك؟ إنها نتيجة واضحة محزنة، وهي أن القومية والشعبوية لن يختفيا قريباً.
- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»