جيمس ستارفيديس
TT

أميركا بين القوتين السايبرية والفضائية

بينما تبدو فكرة بناء قوة فضائية ذكية، فإن العنصر الجديد الذي نحتاجه حقا اليوم في قواتنا المسلحة قوة سايبرية. ويبدو من المنطقي تماما أن نعمل على بناء هاتين القوتين الآن.
في الواقع، ظلت فكرة بناء قوة فضائية قائمة منذ عقود، لكن الخدمات العسكرية الراسخة حاربتها بضراوة. وتضم كل من هذه الأفرع بعض الخبرة بمجال الفضاء، وتروق لها ممارسة قدر من السيطرة على «أصولها» في الفضاء. إلا أن القوة الجوية هي المرشح لتكبد الخسارة الكبرى من حيث الموارد البيروقراطية إذا ما ظهرت هذه القوة المقترحة إلى الوجود. ومثلما هو متوقع، كانت القوة الجوية مصدر المقاومة الأشرس للفكرة.
في الواقع يبدو هذا الأمر منطويا على مفارقة: في منتصف القرن الـ20 حارب الجيش والقوات البحرية بضراوة للحيلولة دون إنشاء قوة جوية. وبدت الحجج المطروحة آنذاك شديدة الشبه بتلك التي نسمعها اليوم: أننا لسنا بحاجة لبناء هيكل بيروقراطي جديد، فنحن على ما يرام بوجود الجيش والقوات البحرية فحسب، وأن هذا لا يشكل في الواقع مسرحا جديدا للعمليات، وإنما مجرد مجال تحقق في إطاره الاستراتيجيات البحرية والبرية أهدافها. وقد كانت تلك حججا معيبة آنذاك، ولا تزال معيبة اليوم.
إننا بحاجة لقوة فضائية لأننا سنكون أكثر أمنا في ظل وجود متخصصين بالمعنى الحقيقي يركزون كامل جهودهم على هذا النطاق المهم للعمليات. ومن شأن جمع أفرع الكيانات البيروقراطية المختلفة المعنية بهذا الأمر في كيان واحد، تيسير العمل عبر خلق نقطة تركيز واحدة، الأمر الذي من المحتمل أن يوفر الطاقة البشرية والمال. في الواقع، فإن الفضاء جدير بالفعل لأن تكون له استراتيجية خاصة به، خاصة في ظل التنافس القادم من جانب روسيا والصين. ولا يعني أي من ذلك أنه تجب زيادة تسليح الفضاء على ما عليه الحال الآن بالفعل. في الواقع، ثمة قدر هائل من النشاطات العسكرية والاستخباراتية تجري هناك بالفعل. وفي ظل قيادة واحدة تقود السياسات من الفضاء، ربما تتوافر فرص أفضل أمام التعاون طويل الأمد مع دول أخرى، تحت مظلة المحطة الفضائية الدولية.
علاوة على ذلك، ثمة ضرورة كبيرة للتركيز على مجال عمليات مختلف وفريد؛ الفضاء السايبري. تبدو النشاطات العسكرية داخل النطاق السايبري اليوم أشبه بممارسات انتقائية، مع توفير كل خدمة داخل القوات المسلحة كادرا صغيرا من المقاتلين السايبريين على أساس مؤقت إلى أحدث القيادات القتالية داخل «البنتاغون»، القيادة السيبرية الأميركية. وقد أبلى قائد هذه القوة الجنرال بول ناكاسون ومن تبعوه بلاء حسنا في إدارة هذه الإسهامات الفردية من جانب كل خدمة، لكنها تبقى عملية مرهقة، وعادة ما يعود المعارون إلى القيادة الجديدة إلى الخدمة الأصلية التي ينتمون إليها بعد فترة عمل داخل مقر رئاسة وكالة الأمن الوطني في ماريلاند.
وتنطبق الحجج ذاتها المرتبطة بقوة فضائية على الفضاء السايبري، لكن التهديدات التي نجابهها هناك في الوقت الراهن أكبر. الملاحظ أن العالم الرقمي مسلح بالفعل بدرجة بالغة، وسيكون حجم أي قوة سايبرية ضئيلا للغاية، مقارنة بالهياكل البيروقراطية للجيش أو الأسطول أو القوات الجوية، علاوة على أن القوات المسلحة الفردية لا تملك الحوافز المناسبة للاهتمام بهذه المسؤولية، فهي منهمكة للغاية في مهام التدريب والتجهيز والتنظيم المتعلقة بقواتها المرتبطة بالاضطلاع بالمهام القتالية التقليدية على الأرض وفي البحر وفي الجو.
من جهتهما، تملك الصين وروسيا قدرات سايبرية هجومية ضخمة. وقد شاهدنا جميعا كيف استغلت روسيا هذه الأدوات في مهاجمة جورجيا عام 2008، الأمر الذي سيجري تسجيله في كتب التاريخ العسكري باعتباره أول حالة لدولة تشن هجوما كبيرا مكافئا عبر الفضاء السايبري، وكذلك هاجمت أوكرانيا وأصابت جزءا من الشبكة الكهربية بها بالشلل.
وتملك دول أخرى، خاصة إيران وكوريا الشمالية، قدرات هجومية سيبرية كبيرة. جدير بالذكر أن كوريا الشمالية شنت هجمات قرصنة ضد شركة «سوني بيكتشرز» عام 2014. وهي شركة أميركية أنتجت فيلما سخر من الديكتاتور كيم جونغ أون. وبالمثل، شنت إيران غارات عدة ضد الفضاء السايبري الأميركي، بما في ذلك هجمات ضد المرافق، وكانت المدبر لهجوم ضخم ضد شركة «أرامكو» السعودية عام 2012، ما أجبر أكبر شركة نفط بالعالم على غلق شبكة الكومبيوتر الداخلية لديها.
ومما سبق يتضح أنه يبدو من المنطقي تماما بناء قوتين فضائية وسايبرية في ذات الوقت. ويبدو ترمب محقا تماما في تحذيره من أننا ربما نتعرض لهجوم من الفضاء يوما ما، وأن علينا الاستعداد لهذا الأمر.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»