راميش بونورو
TT

الأجور الجامدة داخل أميركا لا تحكي القصة بأكملها

تجمد متوسط الأجور داخل أميركا على مدار أربعة عقود، تبعاً لما كشفه «مركز بيو للأبحاث». وتبدو هذه نتيجة صادمة للغاية. بيد أنه لحسن الحظ ثمة سببان يقللان من الشعور بالصدمة إزاء هذه النتيجة.
عام 2018، كان متوسط الأجر عن الساعة 22.65 دولار. ويقدر «مركز بيو» أنه مع تعديل الأرقام لأخذ التضخم في الاعتبار، فإن ذلك يمثل الأجر ذاته الذي كان قائماً عام 1978. في ذلك الوقت، كان الموظفون يتقاضون دولارات أقل، لكنهم كانوا يستفيدون منها بالقدر ذاته. وعند النظر إلى أجر العامل بعد تعديله لأخذ تأثير التضخم في الاعتبار في وسط هيكل توزيع الدخول، نجد أن الأجور تكاد لم تشهد أدنى زيادة منذ عام 1979 (العام الأول الذي تتوافر لدينا بخصوصه هذه الإحصاءات).
أما السبب الأول وراء هذه الأنباء ينبغي أن يثير قدراً أقل من القلق عما تبدو عليه ظاهرياً أن مقابل العمل الذي يتلقاه العامل يتضمن مزايا مالية أخرى، وليس الأجر الأساسي فحسب، وأن نسبة هذه المزايا المالية بالنسبة للأجر ظلت في تنامٍ. وعليه، فإن متوسط المقابل المالي الذي يحصل عليه العامل لا بد أنه ارتفع بمعدل أسرع عن متوسط الأجور.
وفي تناوله للنتائج التي خلص إليها «مركز بيو»، سلط درو ديسيلفر الضوء على هذه النقطة، وربطها بالأرقام الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل التي تكشف عن حق الاختلاف الذي يمكن أن يخلقه التعويض المالي خارج نطاق الأجر. منذ عام 2001 حتى خلال عام 2018، ارتفع متوسط الأجر المدني بنسبة 5.3 في المائة، وارتفع متوسط المقابل المالي عن العمل بنسبة 10.4 في المائة، أي ما يقرب من الضعف. في الواقع، أصبحت المزايا المالية جزءاً ضخماً للغاية من حزمة المقابل المالي.
أما السبب الثاني الذي يدعو للتفاؤل فإنه حتى عند النظر إلى الأجور بمعزل عن أي عناصر أخرى، فإننا سنجد أنها بالتأكيد ارتفعت بنسبة أكبر عما يشير إليه «مركز بيو». عند إمعان النظر في مستويات المعيشة، من الصائب أن نعمل على تعديلها لأخذ تأثير التضخم في الاعتبار، لكن الملاحظ أن «مركز بيو» بالغ في هذا التعديل. وعليه، بدا وكأنه لم يطرأ أي تحسن فعلي على القوة الشرائية.
وعلى ما يبدو، يستخدم «مركز بيو» مقياساً للتضخم يطلق عليه «سي بي آي - يو» (اختصاراً لـ«مؤشر أسعار المستهلكين داخل الولايات المتحدة»)، والذي ابتكره مكتب إحصاءات العمل واعتمد عليه الكثير من الباحثين بالفعل. ومع هذا، فإن سكوت وينشيب، الذي كان يعمل آنذاك محللاً لدى «معهد مانهاتن»، شرح بالتفصيل منذ بضع سنوات كيف أن هذا المقياس يبالغ في تقييم التضخم، ويبالغ في تقييم القوة التراكمية له على مدار الوقت.
وقد بالغ هذا المقياس في تقييم تضخم الإسكان قبل عام 1983، وعليه أوصى المكتب نفسه منذ 30 عاماً بعدم الاعتماد عليه في تحليل التوجهات العامة على امتداد تلك الفترة. علاوة على ذلك، فإن هذا المقياس لا يضع في الاعتبار التغيير الذي طرأ على نمط الاستهلاك استجابة للتغييرات النسبية التي تحدث في الأسعار.
في المقابل، طرحت الحكومة مقياساً لا يتضمن هذه العيوب ويعود إلى عام 1929: مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي. ولدى استخدام هذا المقياس الأفضل للتضخم نجد أن الخط المستقيم الذي رسمه «مركز بيو» للأجور منذ عام 1978 يتحول في حقيقة الأمر إلى منحنى صاعد يعكس زيادة بنسبة 22 في المائة. ولا بد أن المقابل المادي الحقيقي عن العمل، بما في ذلك المزايا المالية، ارتفع بمعدل أكبر. وبالنسبة للقراء الذين ربما يراودهم التساؤل حول ما إذا كان هذا التقدم الواضح يعكس نمواً عند قمة هيكل توزيع الدخول فحسب، فإن وينشيب يقدر أن العمال الموجودين في وسط هيكل التوزيع شهدوا زيادة في المقابل المالي عن العمل بنسبة 31 في المائة بين عامي 1967 و2015.
وفي اعتقادي الشخصي، فإن فكرة أن معظم الأفراد من حولنا لم تشهد حياتهم تحسناً اقتصادياً على مدار العقود الأربعة الماضية تبدو خاطئة تماماً، فهي تتناقض مع الوفرة المادية المتنامية التي أعتقد أنها واضحة للجميع داخل مجتمعنا. ومع هذا، تميل بعض الفئات في المجتمع لتصديق نتائج «مركز بيو» لتوافقها مع أفكارها وميولها، مثلما الحال مع نمط بعينه من الليبراليين.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»