تواجه الحكومات في كل مكان مهمة عسيرة تتمثل في كيفية تحديد البيانات التي يمكن للشركات من شاكلة «فيسبوك» و«غوغل» جمعها حول الناس، وما الذي يمكن فعله بهذه البيانات. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فهناك مجموعة جديدة من المقترحات تقدم بها السيناتور مارك وارنر قد ترسم الطريق للمضي قدماً على هذا المسار.
ومن نواح عدة، صارت أوروبا تمثل المعيار العالمي في مجال تنظيم البيانات الضخمة. ومنذ عام 1995، فرضت أوروبا القيود الصارمة على كيفية استخدام المعلومات الشخصية. وبالنسبة إلى الجزء الأكبر من الأمر، إذا منح الاتحاد الأوروبي التصريح لشركة من الشركات بشأن جمع البيانات لأجل استخدام معين وواضح، فإن الأمر يتوقف عند هذه المرحلة ولا يتجاوزها إلى غيرها. والمعلومات المجمعة من نشاط أحد الأفراد على الشبكات الاجتماعية، على سبيل المثال، لا يمكن بحال إعادة توجيهها لصالح اتخاذ قرارات ائتمانية.
وتمتد مظلة اللوائح الأوروبية لحماية البيانات العامة وتعزز من هذه المبادئ، إذ تمكن الناس من نقل بياناتهم من شركة إلى أخرى، أو اتخاذ القرار بنسيان تلك البيانات بالكلية. والشركات التي لا تلتزم هذه اللوائح والمعايير تواجه الغرامات المالية القاسية. واللوغاريتمات الحاسوبية التي، على سبيل المثال، تقدم الإعلانات أو تعمل على تقييم المرشحين لشغل الوظائف يجب أن تخضع لمعايير الحماية الصارمة باعتبارها «إجراءات رياضية أو إحصائية مناسبة». وإن ظن الناس أنهم يُعاملون من قبل الشركات بصورة غير منصفة، فيمكنهم المطالبة بأن يقدم لهم شخص من الأشخاص تفسيراً واضحاً لما يحدث.
ولا يمكن للولايات المتحدة اعتماد نظام مثل النظام الأوروبي، نظراً لأنها قد اعتمدت بالفعل، ومنذ زمن طويل، نهجاً يميل كثيراً إلى سياسات عدم التدخل، مع استثناء حالات معينة مثل السجلات الطبية، والمعلومات الشخصية المتاحة للحصول عليها إثر موافقة الناس على ذلك. وكل ما يحتاج إليه المرء في ذلك هو النقر على زر «أوافق» على أحد تطبيقات الهواتف الذكية لتبدأ عملية الجمع والتحصيل. ونشأت صناعة قوية لصالح مستودعات البيانات، وإنشاء الملفات التعريفية ثم بيعها إلى كل من يريدها، ولأي غرض كان. إنه «الغرب الأميركي المتوحش» كما يصفونه هنا.
وهذا من قبيل الأنباء السارة والسيئة في آن واحد؛ إذ تتراكم التسهيلات بمجرد ذيوع بيانات الجميع في المجال العام، حيث يستفيد السائقون كثيراً، على سبيل المثال، من التطبيقات مثل تطبيق «ويز»، الذي يستخدم البيانات المستمدة من عدد كبير من الهواتف الذكية في تمييز الأنماط المرورية وتقديم المشورة بالاتجاهات السليمة. غير أن الشعب الأميركي يعرض نفسه أيضاً لحالات الاستغلال، على سبيل المثال، عندما تستخدم شركات التأمين البيانات بشأن عادات الاستهلاك في التنبؤ بالتكاليف الصحية، وربما زيادة مدفوعات التأمين الصحي على المواطنين.
وهنا يأتي دور ما يسمى بـ«ورقة وارنر» البيضاء فيما يتعلق بمقترحات السياسة المحتملة لتنظيم الشبكات الاجتماعية وشركات التكنولوجيا. وهي عبارة عن مجموعة من المقترحات المتعارضة والمتضاربة، ولكنها على نحو إجمالي تميل إلى اعتماد مقاربة ذات نهج معقول. فبدلاً من تقييد كل البيانات أو وقفها تماماً، فإن المقترحات تميل إلى تحقيق التوازن في مجال العمل.
ونضرب مثالاً بشركة «فيسبوك» التي من الصعب على الشبكات الاجتماعية الجديدة أو تطبيقات الرسائل الجديدة أن تتنافس معها، بسبب أن الشركة تملك بالفعل بيانات كل المشاركين فيها. ومن ثم، فإن أحد المقترحات تشير إلى منح المشاركين الجدد إمكانية الوصول إلى شبكات الأصدقاء على «فيسبوك»، أو على الأقل تسهيل استخدام المعلومات حتى يتسنى لهم الوصول للمنافس. وهذا نوع من أنواع تنظيم مكافحة الاحتكار الذي يضاعف من توافر البيانات بدلاً من خنقها والتضييق عليها.
أما بالنسبة إلى اللوغاريتمات، فإن مقاربة السيناتور وارنر تميل إلى اعتماد نهج أكثر تركيزاً من النهج الأوروبي، أي استهداف أولئك الذين قد يكون لهم أكبر تأثير على حياة الأفراد. والحكومة، على سبيل المثال، قد تطالب بأن تخضع تلك اللوغاريتمات التي تتخذ القرارات بشأن الائتمان، والإسكان، والتوظيف للتدقيق القانوني بشأن الإنصاف وعدم التحيز. كذلك، ينبغي أن يكون بمقدور الناس رؤية وتصحيح البيانات التي تدخل إلى الحاسوب. وإن أسفرت هذه المتطلبات عن تراجع في كفاءة العملية، فإن ذلك يبدو من قبيل التكلفة المقبولة لتعزيز أكبر قدر من الإنصاف، والتدقيق، والشفافية.
ليس هناك من ضمان بأن يتحول أي من تلك المقترحات إلى قانون نافذ المفعول، وحتى في هذه الحالة فإن الزمن كفيل بتحديد مدى نجاح هذه العملية من عدمه، فإننا الآن في وسط منطقة مجهولة. ولكن مع اعتبار كم البيانات الشخصية الأميركية المتاحة على الملأ، فإن مقترحات السيناتور وارنر تعتبر من أفضل المقاربات المطروحة حتى الآن.
وبالطبع، كل ذلك يدفعنا إلى سؤال وجيه: كيف يمكن لمثل هذه المتطلبات والشروط أن تدخل حيز التنفيذ؟ وما هو مقدار التفسير الضروري، على سبيل المثال؟ وباعتباري من خبراء صناديق التحوط سابقاً، يمكنني التفكير في أساليب جديدة لتقديم التفسير المطلوب، وهو من دون جدوى تُذكر من حيث البناء والتنظيم. وعلى نحو مماثل، من صاحب السلطة في تحديد ما إذا كانت المعادلة ملائمة وسليمة؟ هل هم الأشخاص أنفسهم الذين صاغوها بالأساس؟ لم نحصل على توضيح مناسب للأمر حتى الآن.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT
تنظيم منصات التواصل الاجتماعي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة